شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل على إفادة هذه الألفاظ للعموم]

صفحة 98 - الجزء 2

  واتفقوا على أن العهد الذهني يتوقف على قرينة البعضية⁣(⁣١)، ومع انتفائها يجب الحمل على الاستغراق، وهو ما أردناه من العموم، وعليه جمهور الأصوليين، من غير فرق بين ما مُيِّز واحده بالوحدة⁣(⁣٢) أو بالتاء وما لم يكن كذلك⁣(⁣٣).

  (مفرداً كان) ذلك الموصول والمعرف بهذه اللام كالضارب والإنسان (أو جمعاً) له مفرد من جنسه نحو: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٣٤}⁣[آل عمران]، أو لا⁣(⁣٤)، كالقوم.

[الدليل على إفادة هذه الألفاظ للعموم]

  وإنما كانت هذه الألفاظ موضوعة للعموم لتبادره عند الإطلاق من ذات الصيغة قطعاً، والتبادر دليل الحقيقة، فثبت أن للعموم صيغة، وهي ما ذكرنا بالاستقراء، ولاستدلال العلماء بلا نكير فإنا نقطع بأنهم لم يزالوا يستدلون بمثل: {وَالسَّارِقُ(⁣٥) وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}⁣[المائدة: ٣٨]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}⁣[النور: ٢]، وكاحتجاجهم بحديث مسلم وأبي داود وغيرهما: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»، وشاع وذاع ولم ينكره أحد.

  وللقطع بأن العموم في مثل قوله تعالى حكايةً عن اليهود: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٩١]، إنما فهم من الصيغة لا من أمر خارجي.


(١) أي: أن المراد بعض الجنس الموجود في فرد كما في قولك: ادخل السوق.

(٢) كالدينار والرجل والرغيف، أو بالتاء: كالبر والشعير والتمر، أو لم يميز بشيء منها: كالذهب والفضة والملح والعسل والماء، يقال: رجل واحد ودينار واحد.

(٣) أي: غير مميز بشيء منهما.

(٤) أي: لا مفرد له من جنسه.

(٥) أي: الذي سرق والتي سرقت؛ إذ المراد باللام أعم من الحرفية أو الاسمية.