[جواز تأخير التبليغ من النبي ÷ إلى وقت الحاجة]
[جواز تأخير التبليغ من النبي ÷ إلى وقت الحاجة]
  و (يجوز) للرسول ÷ (تأخير التبليغ) لما أوحي إليه من الأحكام - كله أو بعضه - عقلاً إلى وقت الحاجة؛ (إذ) لا يلزم من فرض وقوعه محال، ولو صرح به لم يمتنع.
  وقيل: لا يجوز ذلك؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}[المائدة ٦٧]، والأمر للوجوب، ويجب أن يكون قوله: {بَلِّغْ} للفور، وإلا لم يفد فائدة جديدة؛ لأن وجوب التبليغ في الجملة ضروري يقضي به العقل ضرورة، فلا فائدة للأمر به إلا الفور.
  قلنا: لا نسلم أن أمر {بَلِّغْ} للفور، وما ذكرتم من عدم إفادة الفائدة ضعيف؛ لحصولها، وهي تقوية ما علم بالعقل بالنقل، ولو سلم فهو ظاهر في تبليغ لفظ القرآن لا في كل الأحكام.
  وأيضاً (القصد) من التبليغ (المصلحة) ومطابقتها، ولعل الفائدة في إنزاله قبل الحاجة، كالواجب الموسع، فكما يجوز أن تتعلق المصلحة بالتقديم يجوز أن تتعلق بالتأخير؛ لأن العقل يجوز كل واحد منهما على سواء، ووجوه القبح من العبث والظلم وتكليف ما لا يطاق منتفية عن التأخير.
  ولأنه قد وقع، والوقوع فرع الجواز، فإنه روي أنه ÷ أمر بالنص على ولاية أمير المؤمنين علي # في حجة الوداع، فقال لجبريل #: «إذاً تثلغ(١) قريش رأسي» فأخر ذلك حتى انتهى إلى غدير خم، فنزل عليه جبريل بهذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، فقام ÷ في الحر العظيم مع التعب الشديد فأخذ بِضَبْع(٢) أمير المؤمنين # فقال: «يا معشر المسلمين، ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، ...» الخبر.
(١) ثلع رأسه وفلعه: شدخه. أساس.
(٢) الضَّبع: العضد، والجمع: أضباع كفرخ وأفراخ. مختار.