شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الخلاف في جواز النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ]

صفحة 179 - الجزء 2

  فيجوز أن يقال: لا يجب على الواحد أن يثبت للاثنين، فينسخ مفهوم الآية.

  فإن كان فحوى - بأن كان فيه معنى الأولى - كرفع تحريم الضرب مع بقاء تحريم التأفيف لم يجز؛ إذ يلزم منه وجود الملزوم مع عدم اللازم، وأنه محال.

  وأما دليل⁣(⁣١) الخطاب - على القول به - فإنه يجوز نسخه مع أصله، ونسخ أصله دونه، والعكس.

  قلت: ومثال نسخهما أن يقال: في سائمة الغنم زكاة، لا زكاة في السائمة⁣(⁣٢).

  ومثال نسخ أصله دونه أن يقول بعد ذلك: كما لا تجب في المعلوفة لا تجب في السائمة.

  ومثال العكس أن يقول بعد ذلك: تجب الزكاة في المعلوفة والسائمة.

  ومن أمثلته قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}⁣[البقرة ١٨٧]، ثم يرد دليل بإدخال جزء من الليل كان نسخاً للمفهوم.

[الخلاف في جواز النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ]

  (و) اعلم أنه لا يثبت الحكم - سواء كان مبتدأ أو ناسخاً - قبل أن يبلغه جبريل # إلى نبينا - ÷(⁣٣) -، وكذا بعد تبليغه إلى النبي ÷ وقبل تبليغ النبي ÷ للمكلفين، عند الجمهور؛ لأن القول به يؤدي إلى تكليف ما لا يعلم، وهو قبيح.

  وقال بعض الشافعية بوصوله إلى النبي ÷ صار الحكم منسوخاً عنا، قياساً على تكليف الكفار بالتكاليف الشرعية لما بلغت الرسول ÷ وإن لم يعلموها.

  قلنا: هم متمكنون من العلم بها؛ فهم مأتيون من قِبَل أنفسهم.


(١) وهو مفهوم المخالفة.

(٢) فيفهم من الأول أن المعلوفة لا زكاة فيها فنسخ بالثاني الأول ومفهومه؛ لأن مفهوم الثاني أن المعلوفة فيها زكاة.

(٣) اتفاقًا.