شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[مفهوم المخالفة]

صفحة 16 - الجزء 2

  ثم مفهوم الموافقة قد يكون قطعياً إذا كان التعليل بالمعنى قطعياً، كالأمثلة المذكورة⁣(⁣١)، وقد يكون ظنياً إذا كان التعليل بالمعنى ظنياً، كقول الشافعي: إذا كان قتل الخطأ يوجب الكفارة فالعمد أولى، وإذا كانت اليمين المعقودة توجب الكفارة فالغموس أولى⁣(⁣٢). وإنما كان ظنياً لِتجويز أَلّا يكونَ المعنى في قتل الخطأ واليمين غير الغموس الزجرَ الذي هو أشد مناسبة للعمد، بل التدارك والتلافي، والكفَّارةُ إنما سميت كفَّارةً لِتغطيتها لِلمُكفَّر⁣(⁣٣) وستره، والعمد والغموس عظيمان لا يستر عقابَهما ثوابُ الكفَّارة.

[مفهوم المخالفة]

  (و) النوع (الثاني) من نوعي المفهوم (مختلف فيه) بين العلماء؛ فمنهم من أخذ به أجمع، ومنهم من نفاه أجمع، والمختار التفصيل، وهو الأخذ ببعض دون بعض، في الإنشاء والإخبار، وَأَنَّ حجيته باللغة لا بالعرف العام أو الشرع.

  (ويسمى) هذا النوع من المفهوم (مفهوم المخالفة) لِمخالفته المنطوق في الحكم؛ فَلذا قيل في حده: (وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفاً للمنطوق في الحكم) إِثباتاً ونفياً، (ويسمى) أيضاً (دليل الخطاب) إما لأن دلالته⁣(⁣٤) من جنس دلالات الخطاب، أو لأن الخطاب دال عليه.

  وتَسميتُهم إياه اصطلاحٌ؛ لقصدهم تمييزه عن غيره، فلا يرِد ما قيل: إنهم إن أرادوا أنه يدل على الخطاب فالأمر بالعكس، على أن الخطاب ضروري


(١) كالإكرام في منع التأفيف، وعدم تضييع الإحسان والإساءة في الجزاء بالمثقال، والأمانة في أداء القنطار، وعدمها في عدم أداء الدينار، والإتلاف في تحريم مال اليتيم. تمت

(٢) وفيه أنه قال ÷: «خمس من الكبائر لا كفارة فيهن ..» وعدّ منها: اليمين الغموس، وقتل النفس بغير حق. ذكره في التلويح اهـ.

(٣) بفتح الفاء، وهو الذنب.

(٤) قوله إما لأن دلالته من جنس ... إلخ إشارة إلى أن الإضافة إما أن يكون كما في: خاتم فضة، أو يكون لأدنى ملابسة إما لدلالة الخطاب عليه أو لمخالفته له (أي لمنطوق اللفظ) ومقابلته إياه.