شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الاستعارة]

صفحة 55 - الجزء 2

  مستلزم لانتفاء المثل عرفاً؛ لأن الشيء إذا لم يكن له - لجلالته - ما يماثل مثله فبالطريق الأوْلى ألا يكون له ما يماثله، فأطلق الملزوم وأريد اللازم مبالغة في نفي الشبيه.

[الاستعارة]

  (و) الثاني (استعارة) إن كانت العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي المشابهة، أي: قُصِد⁣(⁣١) أن إطلاقه على المعنى المجازي بسبب تشبيهه بمعناه الحقيقي، كالمِشفَر إذا أطلق على شفة الإنسان، فإن أريد تشبيهها بمِشفر الإبل في الغلظ فهو استعارة، وإن أريد إطلاق المقيد على المطلق⁣(⁣٢) كإطلاق المَرسِن⁣(⁣٣) على الأنف من غير قصد إلى التشبيه فمجاز مرسل.

  فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد يجوز أن يكون استعارة، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلاً باعتبارين⁣(⁣٤).

  والمَرسِنُ - بكسر السين - موضعُ الرَّسَن من أنف البعير، ثم كثر استعماله حتى قيل: مرسن الإنسان.

[الاستعارة التحقيقية]

  ثم إن ذُكِرَ المشبه به وأُريدَ المشبّه فهي الاستعارة التحقيقية (كالأسد للرجل الشجاع) فنقول: إن اللفظ نقل عن معناه الأصلي وجعل اسماً لهذا المعنى على


(١) أشار بقوله قصد: إلى أن وجود المشابهة بدون قصدها لا يكفي في كون اللفظ استعارة.

(٢) المقيد هو شفة البعير، والمطلق هو شفة الإنسان من حيث إنها فرد من أفراد مطلق شفة، فمِشفر أطلق على شفة الإنسان باعتبار ما تحقق فيها من مطلق شفة لا من حيث كونها مقيدة بالإنسان، وإلا كان من إطلاق المقيد على المقيد.

(٣) المَرسِن في الأصل أنف البعير، فإذا أطلق عن قيده واستعمل في أنف الإنسان باعتبار ما تحقق فيه من مطلق أنف كان مجازاً مرسلاً، وإذا استعمل في أنف الإنسان للمشابهة كأن يكون فيها اتساع وتسطح كأنف الناقة كان استعارة.

(٤) فشفة الإنسان لها اعتباران: خصوص كونها شفة الإنسان، وكونها تحقق فيها المفهوم الكلي وهو مطلق شفة، فاستعمالها بالاعتبار الأول سبيله الاستعارة، وبالثاني المجاز المرسل.