شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[نسخ ما قيد بالتأبيد]

صفحة 171 - الجزء 2

[نسخ ما قيد بالتأبيد]

  (و) ما كان تأبيد وجوبه نصاً نحو: «وجوب الصوم مؤبد» لم يجز نسخه اتفاقاً، وإلا يكن كذلك: فإن كان⁣(⁣١) قيداً للفعل نحو: «صوموا أبداً» فالمختار عند الجمهور جواز (نسخ ما قيد بالتأبيد)؛ لأن الفعل يعمل بمادته، والوجوب مستفاد من الهيئة، فالتأبيد قيد فيما به العمل لا غير.

  أو ظاهراً محتملاً نحو: صوم رمضان يجب أبداً؛ فإن الظاهر كونه ظرفاً للوجوب، ويحتمل أن يكون ظرفاً للصوم، أي: كونه مقيداً⁣(⁣٢) للحكم محتملاً لخلافه، جاز نسخه عند الجمهور - أيضاً؛ لذلك، ولأن أبدية الفعل المكلف به لا ينافيه عدم أبدية التكليف به، وإنما ينافيه ويناقضه عدم أبديته، والعكس⁣(⁣٣).

  وذهب بعض المتكلمين والجصاص والماتُرِيدي والدبوسي وغيرهم من الحنفية - ولعل منهم من يشترط الإشعار - إلى منع نسخه مطلقاً، قالوا: لأن معنى التأبيد الدوام، والنسخ ينافيه ويقطعه، فكان مناقضاً؛ فلا يجوز على الله تعالى.

  قلنا: لزوم التناقض في موضع الخلاف ممنوع؛ لما بيناه، وإنما يلزم فيما نُص⁣(⁣٤) على تأبيد الحكم واستمراره، ولا خلاف في منع نسخه.

  قالوا: نسخ وجوب الصيامِ المؤبدِ⁣(⁣٥) يجعله غير مؤبد؛ لأنه إذا لم يجب جاز تركه فلم يدم، فيكون مبطلاً لنصوصية تأبيد الفعل⁣(⁣٦) كتأبيد الحكم.


(١) أي: التأبيد.

(٢) عبارة شرح الغاية: فكان ظاهرًا في كونه قيدًا للحكم، محتملاً للخلاف فجاز نسخه عند الجمهور.

(٣) أي: عدم أبدية التكليف بالشيء لا يناقضه أبدية الشيء، وإنما يناقضه أبدية التكليف بذلك الشيء.

(٤) فيه.

(٥) المؤبد صفة للصيام الذي هو محل الخلاف لا للوجوب الذي ليس محلاً للخلاف، فتأمل والله أعلم. والضمير في «يجعله» للصيام، أي: يجعل الصيام.

(٦) لاحتمال صحة ورود النسخ عليه مع أنه قد يكون تأبيده منصوصاً. سيلان.