شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 92 - الجزء 1

  فقال: عليَّ به؛ فلما جاءه قال: ما هذا الذي صنعت؟ فقال: السنة، فقال عمر: والله لتأتيني ببرهان أو لأفعلن بك، قال أبو سعيد: فأتانا ونحن رفقة من الأنصار فقال: يا معشر الأنصار، ألم يقل رسول الله ÷: «الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع»؟ فأخبر أبو سعيد بمثل ذلك.

  أجيب: بأنهم إنما أنكروا ما أنكروا للارتياب فيه، وقصوره عن إفادة الظن، وذلك مما لا نزاع فيه.

[الأشياء التي يمتنع العمل بأخبار الآحاد فيها]

  ولَمَّا كان عدم العمل بها⁣(⁣١) في غير فروع الفقه من مفاهيم اللقب⁣(⁣٢)، مع إيهام الجواز - صَرَّحَ به فقال: (ولا يؤخذ بأخبار الآحاد) الخالية عن قرائن العلم (في الأصول) مطلقاً، سواء كانت من أصول الدين، أو أصول الفقه، أو أصول الشريعة؛ لأنها إنما تفيد بمجردها الظن، كما سبق، وهذه الأشياء يجب اليقين فيها؛ لتوفر الدواعي إلى نقلها، ولعلمنا برد الصحابة له، كما روي عن عائشة أنها ردت خبر أبي عثمان⁣(⁣٣) في تعذيب الميت ببكاء أهله، وتلت قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}⁣[فاطر ١٨]، ووافقها ابن عباس، وفي ذلك ردٌّ للأخبار الواردة في تعذيب أطفال المشركين. وكذلك فإنها لما سألها سائل: هل رأى محمد ربَّه؟ قالت: يا هذا لقد قَفَّ شعري مما قلت، وتلت قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}⁣[الأنعام]، وفي ذلك ردٌّ للأخبار التي نقلت في إثبات الرؤية. ونحو ذلك كثير.

  نعم، فما ورد منها موافقاً لدلالة العقل ومحكم الكتاب كا ن مؤكداً، ولم يكذب ناقله، ولا يعتمد عليه في الدلالة، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما خالف أصلاً قطعياً، والله أعلم.


(١) أي: بأخبار الآحاد.

(٢) في قوله: «ويجب العمل به في الفروع» مفهومه: لا غيرها.

(٣) في شرح الغاية: وأنكرت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب ..» الخ.