[مطلق النهي يقتضي الدوام والفور]
  إذا عرفت ذلك فلا يتميز النهي عن سائر هذه المعاني إلا بكراهة الناهي للمنهي عنه.
[مطلق النهي يقتضي الدوام والفور]
  (و) يخالف الأمر بأنه (يقتضي مطلقه الدوام) أي: دوام وجوب الانتهاء عن المنهي عنه، وانسحاب حكمه على جميع الأزمان. وباقتضائه الدوام يتحقق اقتضاؤه الفور، أي: تعجيل الانتهاء عن المنهي عنه؛ وذلك لأنه المتبادر عند التجرد عن القرائن، ولأنه لو لم يكن كذلك لجاز إيقاع الفعل المنهي عنه ولو مرة واحدة، وهو باطل؛ لأن النهي مطلقاً يفيد المنع من المنهي عنه مطلقاً، ووقوعه يرفع مطلق الامتناع، ولأن العلماء لم يزالوا يستدلون بالنهي على الترك مع اختلاف الأوقات لا يخصصونه بوقت دون وقت، فلولا أنه كما ذكرناه لما صح ذلك.
  وأيضاً فإنه مقابل الأمر، والأمر يقتضي تحصل ماهية المأمور به في الوجود كما سبق؛ فيجب في النهي أن يكون حكمه على العكس من ذلك، وهو المنع من حصول ماهية المنهي عنه في الوجود، وذلك لا يتم إلا بتكرار الانتهاء.
[النهي المقيد يقتضي الدوام]
  قال أئمتنا $ والجمهور: وكذا مقيده بشرط أو نحوه، نحو: العالم لا تُهنْه، ونحو: إن كان فاسقاً فلا تكرمْه، ولا تدخل الحمام إلا مستتراً؛ لأنه قد ثبت اقتضاؤه مع الإطلاق، والتقييد لا يخرجه عن موضوعه، بل التكرار مع التقييد
= {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة: ٢٣٧]، وهذا راجع إلى الكراهة؛ لأن المراد لا تتعاطوا أسباب النسيان؛ فإن النسيان لا يدخل تحت القدرة حتى ينهى عنه، والتحذير، كقوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٠٢}[آل عمران]، وهذا أيضاً راجع إلى التحريم؛ إذ المراد لا تتركوا الإسلام بل أديموه إلى الموت حتى لا تموتن إلا وأنتم مسلمون، والاحتقار، نحو: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة: ٦٦]، والمراد: تحقير شأن المخاطب بهذا النهي، ولعله راجع إلى اليأس، والالتماس، كقولك لمن يساويك: لا تفعل كذا. شرح غاية.