شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[تقسيم العلم]

صفحة 54 - الجزء 1

  والتبخيتُ والتقليدُ حيث يطابقان معتقديهما وحيث لا يطابقانه. والتبخيت: اعتقاد الشيء هجوما وخبطا لا لأمر. وسيأتي حقيقة التقليد إن شاء الله تعالى.

[تقسيم العلم]

  (وهو نوعان): تصوري، وتصديقي.

  وكل منهما: إما (ضروري) منسوب إلى ضرورة العقل، يحصل بلا نظر. (و) إما (استدلالي) منسوب إلى الاستدلال⁣(⁣١)، لا يحصل إلا به.

  وهذه القسمة بديهية لا يحتاج فيها إلى تجشم⁣(⁣٢) الاستدلال كما ارتكبه بعض؛ وذلك أنا إذا رجعنا إلى وجداننا وجدنا من التصورات ما هو حاصل لنا بلا نظر، كتصور الحرارة والبرودة، وما هو حاصل به، كتصور حقيقة المَلَك والجن، ومن التصديقات ما هو حاصل لنا بلا نظر، كالتصديق بأن الشمس مشرقة، والنار محرقة، وما هو حاصل بالنظر، كالتصديق بأن العالم حادث، والصانع موجود.

  (فالضروري) منه: (ما لا ينتفي) عن النفس (بشك)؛ إذ لا يمكن طروه عليه ولا مزاحمته له، (ولا) بسببه⁣(⁣٣)، أي: (شبهة)، وهو الواقع لا بواسطة نظر، كالعلم الواقع بإحدى الحواس، والواقع بالتواتر، كعلمنا ببغداد والبصرة، فإنا نقطع بوجودهما وإن لم نشاهدهما. ومنه الوجداني، وهو: ما لا يفتقر إلى عقل، كالمتعلق بالجوع والألم، ولهذا تدركهما البهائم. ومنه ما هو أوَّلِيٌّ يحكم العقل بمجرد تصور طرفيه، كقولنا: «الواحد نصف الاثنين»، و «الكل أعظم من الجزء»، و «السواد والبياض لا يجتمعان». ومنه التجربي، وهو: ما يحصل في


(١) قلت: قال بعض الشراح (*) وغيره: إن الأول من فعل الله، والثاني من فعلنا، وفيه أنه لا يخلو: إما أن يريد نفس العلم، أي: الكيفية الحاصلة عند العقل، فهما جميعا من فعل الله، وإما أن يريد أسبابهما، فكثير من أسباب الضروري متوقف على فعلنا واختيارنا، ألا ترى ان الاستدلالي قد ينتهي إلى الضروري، فتأمل. منه.

(*) ابن حابس |.

(٢) التجشم: هو التكلف.

(٣) الضمير عائد إلى الشك.