شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 97 - الجزء 1

  والكلام في الكبيرة منتشر يؤخذ من مظانه.

  وقد دخل فيها التكليف والإسلام؛ فلا يقبل الكافر والفاسق والمجنون والصبي، فتشترط عند الأداء وإن لم يكن عند التحمل كذلك؛ قياساً على الشهادة⁣(⁣١)، وللإجماع على قبول رواية الحسنين @ - ويسمى ما يرويانه عند أهل النقل سلسلة الذهب - وابن عباس⁣(⁣٢) وابن الزبير وسهل بن أبي حثمة - فيما سمعوه قبل التكليف ورووه بعده، تدل عليه كتب الحديث.

  فإن قيل: إن ابن عمر أخبر أهل قباء بتحويل القبلة فاستداروا.

  قلنا: لو سلم كونه صبيًّا فقد روي أنه أخبرهم بذلك أنس، فيحتمل أنهما جاءا معاً فأخبراهم، على أنه قد قيل: إنه أفاد العلم بالقرائن؛ ولذا نسخ به المعلوم⁣(⁣٣)، كما يأتي في النسخ إن شاء الله تعالى.

[حكم مجهول العدالة]

  ولا يقبل مجهول العدالة أيضاً؛ إذ لا يؤمن فسقه⁣(⁣٤)، فلا يظن صدقه، وحصولُ الظن مشترطٌ في جواز العمل به، فإذا لم يظن لم يجز. ولأن الفسق مانعٌ كالصغر والكفر، فلا بد من ترجيح انتفائه. ولقوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}⁣[هود ١١٣]، وقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}⁣[النجم ٢٣]،


(١) والشهادة متفق عليها.

* - وكذا في حال الكفر والفسق إذا أداها في حال الإيمان، كما روي أن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله ÷ - يعني حين قدم عليه في أسارى بدر - فقرأ في المغرب بالطور، وفي رواية: فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ٣٥ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ٣٦ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ٣٧}⁣[الطور]، كاد قلبي يطير، وفي رواية للبخاري: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، ثم إنه أسلم بعد ذلك قبل الفتح، وأداه.

(٢) أي: وقبول رواية ابن عباس.

(٣) وهو التوجه إلى بيت المقدس.

(٤) فلا ينتفي ظن الكذب، كذا ينبغي أن يقرر، وأما التعليل بأنه لا يظن صدقه، وحصول الظن مشترط في جواز العمل ففيه: أن المشترط ظن العدالة وإن لم يظن الصدق، ما لم يظن الكذب، كما قرر في الشاهد. منه والحمد لله.