[الطرق الفاسدة لمعرفة النسخ]
  وكما ذكر أصحابنا في حديث الوضوء من مس الذكر أنه يتعين كونه المنسوخ؛ بقرينة السؤال عنه في حديث طَلْق الذي رواه أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وصححه جمعٌ من الحفاظ، فلولا أنه كان بلغهم حديث الوضوء منه لما سألوا عنه؛ لتنزل سؤالهم من دونه منزلة السؤال عن سائر الأعضاء هل في مسها أو مس شيء منها وضوء؛ وذلك مما لا معنى له.
  (فيعمل بذلك) المذكور من القرائن (في المظنون)، ويقبل خبر الآحاد في ضبط نحو التاريخ وإن كان المتعارضان قطعيين كالكتاب والسنة المعلومة؛ لكون الناسخ قطعياً، والظن إنما هو في كونه متصفاً بالنسخ.
  وذهب الإمام المهدي # إلى أنه لا يعمل به إلا في الظني؛ لئلا يؤدي إلى ترك القطعي بالظني.
  وفيه: أن متواتر السند قد أَسْقَطَ القطعَ ببقاء حكمه(١) معارضةُ القطعي؛ للقطع بأن أحد المعلومين المتعارضين ناسخ والآخر منسوخ، فبيان الآحاد معين للناسخ المعلوم إجمالاً(٢)، والقطع رافعه قطع مثله.
[الطرق الفاسدة لمعرفة النسخ]
  وأما الفاسدة: فكقول الصحابي: هذا ناسخ وهذا منسوخ؛ لجواز أن يكون عن اجتهاد، سواء صرح بعلمهِ(٣) أو لا، وسواء كان الأول معلوماً أو مظنوناً(٤)، فإن الإنسان كثيراً ما يعبر عما قوي عنده بالعلم. ذكر ذلك الدواري.
(١) قال في حاشية الغاية: المعنى أن القطعي المعارض للمنسوخ القطعي قد أسقط القطع ببقاء حكم المنسوخ القطعي، فقوله: «معارضة» فاعل «أسقط» و «القطعي» مفعوله، وقوله: «للقطع» علة كون المعارضة مسقطة.
(٢) أي: من غير تعيين أن هذا القطعي ناسخ أو ذاك، بل يعلم أن أحدهما ناسخ لما عرفت من عدم صحة التعارض بينهما مع بقاء حكمهما. سيلان.
(٣) كـ «أنا أعلم بأن هذا منسوخ». فصول.
(٤) لحصول التجويز المذكور فإن الإنسان ... الخ. شرح غاية.