شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[النهي يدل على قبح المنهي عنه لا فساده]

صفحة 89 - الجزء 2

  الحركة والسكون جمعاً لامتناعه فيهما.

[النهي يدل على قبح المنهي عنه لا فساده]

  واعلم أنه إن اقترن بوعيد دل على قبح المنهي عنه اتفاقاً، وإن صحبته قرينة تدل على عدم قبحه فلمدلولها الحكم اتفاقاً، وإن تجرد عن ذلك: فعند أئمتنا $

  والجمهور: حقيقة في التحريم (و) حينئذ (يدلُّ) بوضعه وصيغته (على قبح المنهي عنه)، ولا أثر لتقدم الإيجاب⁣(⁣١) في حمله على خلاف ذلك⁣(⁣٢)؛ لمثل ما تقدم في الأمر من مبادرة العقلاء إلى ذمِّ عبدٍ لم يترك ما نهاه عنه سيده، واستدلال السلف بصيغة النهي المجردة عن القرائن على التحريم، وشيوع ذلك من غير إنكار، ولكراهة الناهي لما نهى عنه كما سبق في الحد. وكراهة الحكيم للشيء تدل على قبحه، وإلا لزم كراهة الحسن، وهو محال؛ فكان قبيحاً لعدم الواسطة بين الحسن والقبيح.

  ثم اختلفوا هل هو بمعناه الحقيقي - وهو التحريم - يدَلُّ على فساد المنهي عنه لغة وشرعاً أَوْ لا؟

  فذهب أبو طالب والمنصور بالله @ وبعض الفقهاء والمتكلمين والظاهرية إلى أنه يدل على الفساد المرادف للبطلان شرعاً لا لغة⁣(⁣٣) في العبادات والمعاملات، سواء رجع إلى نفس المنهي عنه، كصلاة الحائض وصومها، أو إلى جزئه، كالنهي عن بيع الملاقيح، أي: ما في البطون من الأجنة؛ لجهالة المبيع، وهو ركن من البيع، والله أعلم، أو إلى صفته الملازمة، كبيوع الربا؛ لاشتمالها على


= منهما أن النهي عن شيء واحد، ولا بد في حسنه من إمكان الخلو عنهما، فلا يجوز النهي عن الحركة والسكون معاً؛ لامتناعه فيهما.

(١) نحو أن يقول: أمرتكم بزيارة القبور، ثم يقول: لا تزوروها.

(٢) أي: التحريم.

(٣) لأن الإجزاءء وعدمه وشرائط البيع وأحكامه لم تخطر ببال واضع اللغة فكيف يدل النهي عليه لغة. جامع الأصول.