شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[حكم الاستثناء المستغرق واستثناء الأكثر]

صفحة 116 - الجزء 2

  وأيضاً لو صح انفصاله لما قال ÷: «من حلف على شيء ثم رأى غيره خيراً منه فليعمل وليكفر عن يمينه» معيناً، بل كان يقول: أو ليستثن، فيوجب أحدهما لا بعينه؛ لأنه لا حنث بالاستثناء، مع كونه أسهل، فكان ذكره⁣(⁣١) أولى، وإذا لم يكن معيناً⁣(⁣٢) فلا أقل من أن يخير بينهما؛ لعدم وجوب شيء منهما معيناً، وكذلك جميع العقود والإيقاعات كان ينبغي أن يستثنى منها نفياً لأحكامها بأسهل الطرق؛ لنحو: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}⁣[البقرة ١٨٥]، و «بعثت بالشريعة السمحة»، والإجماع بخلافه.

  روي أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة لا يقول بمقالة ابن عباس في الاستثناء وجواز تراخيه، فأمر بإحضاره، وأنكر عليه خلافه، فقال له أبو حنيفة: إن هذا يعود عليك ضعف الرأي فيه؛ لأنك تأخذ البيعة من الناس على الطاعة، فإن صح جواز تأخر الاستثناء فلهم أن يستثنوا بعد بيعتك والخروج من عندك متى شاءوا، فوقع في نفس المنصور كلامه، ولم يعترضه بعد ذلك في رأيه.

[حكم الاستثناء المستغرق واستثناء الأكثر]

  (و) اعلم أنه لا خلاف في امتناع الاستثناء المستغرق، وأنه باطل، سواء كان مثل المستثنى منه أو أكثر، إلا ما رَوَى السبكي في شرح الجمع عن ابن طلحة المالكي فيمن قال لامرأته: «أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً»: أنَّه لا يقع عليها الطلاق.

  والجواب عنه: أنه يعود على فائدته⁣(⁣٣) بالنقض؛ إذ هو إخراج بعض من كل، فلو تناول الكل لكان نقضاً وبداً.

  ولا خلاف أيضاً في جواز استثناء الأقل - أي: دون النصف - ويبقى أكثر من النصف.


(١) أي: الاستثناء.

(٢) عبارة العضد: «وإذا لم يذكره معينا».

(٣) «قائله». نخ.