شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 109 - الجزء 1

  المذكورة بخلافه، كتحليل وتحريم على جهة النسخ⁣(⁣١) - فإنه يرد؛ إذ لا يقوى الظني على مقاومة القطعي، خلافاً للظاهرية.

  قلت: وينظر في وجه ذكرها هنا⁣(⁣٢) على حدة، فإنه قد تقدم ما يدل عليها في قوله: وعدم مصادمتها قاطعاً، فمع تفسير الأصول بما ذكر هي عين ما تقدم لا غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.

  وأما إن خالفها ظاهراً وأمكن الجمع بينه وبينها، إما بتخصيص أو تقييد أو تأويل - فإنه لا يرد، بل يقبل الخبر المخالف لقياس الأصول - أي: مقتضاها - ظاهراً؛ جمعاً بين الدليلين؛ إذ هو الواجب مع إمكانه، وذلك كخبر القرعة، فإنه روي من طريق عمران بن الحصين⁣(⁣٣) أن رجلاً أعتق ستة مماليك وهو مريض، ولم يكن له غيرهم، فجزأهم النبيء ÷ ثلاثة أجزاء ثم قرع بينهم، فأعتق رسول الله ÷ اثنين وأرق أربعة، ذكره في سنن أبي داود، ومسلم، والنسائي، والبخاري، والترمذي، فإنه نقل للحرية، وقد وقع الإجماع على أنَّها لا تنقل، وكلَّ واحد من العبيد يعتق ثلثه، فلما أمر ÷ بالقرعة في حريتهم


= فكيف يوصف بأنه مخالف للأصول؟ قلت: أرادوا بالأصول ما أفاد العلم اليقين من الأدلة العقلية والصرائح النقلية، فما أفاد الظن فليس بأصل، لكن إن وافق الأصول قُبِل وإلا وجب اطّراحه عندنا ... إلخ ما ذكره #، وكذا قال صاحب الجوهرة: إن المراد بالأصول الكتاب والسنة المتواترة والإجماع القاطع ونحو ذلك، ولا معنى لنحو ذلك إلا ما كان قاطعاً كالقياس القطعي والخبر المتلقى بالقبول، قال الدواري: وهو مستند في كلامه إلى كلام الإمام المنصور بالله والشيخ الحسن، والله أعلم.

(١) لا على جهة التخصيص.

(٢) أي: الأصول.

(٣) في لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي رحمة الله تغشاه ما لفظه: عمران بن الحصين أبو نُجَيد - بضم النون، وفتح الجيم - الخزاعي البصري، أسلم عام خيبر، وشهد ما بعد ذلك؛ وكان من فضلاء الصحابة. قلت - والكلام للمولى مجد الدين -: وقد نزهه في شرح النهج عن الانحراف، وروي أنه كان ممن يفضل الوصي #، وهو الظن به لمكانه في الإسلام. قال: وكان مجاب الدعوة، مات بالبصرة، سنة اثنتين وخمسين. أخرج له: الجماعة، وأئمتنا الخمسة، إلا الجرجاني. اللوامع ط ٣/ ٣/٢٣٦.