[هل تدخل النساء في عموم خطاب الرجال]
  ولقصة أم سلمة، فإن المأثور أن جَمْعاً من النساء كُنَّ عند أم سلمة فتذاكرن القرآن وما ورد فيه من مدح الرجال وتعظيم شأنهم، فقلن: إن الله تعالى ما ذكر النساء فيه بخير(١)، فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله ÷ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[الأحزاب: ٣٥]، فنفت(٢) ذكرهن مطلقاً(٣)، فلو كن داخلات لَمَا صدق نفيهن(٤)، فلم يجز تقريره ÷ للنفي.
  فإن قيل: يجوز أن يكون تقريره لفهمه من سؤال أم سلمة أن مرادها من عدم الذكر عدمُ ذكرِهِنّ بصيغة ظاهرة فيهن، لا عدمُ الذكر مطلقاً.
  قلنا: سؤال أم سلمة صريح في عدم الذكر مطلقاً، فلو ذُكرْنَ ولو تَضَمُّناً لما صحّ هذا الإخبار على الإطلاق(٥).
  فإن قيل: لو لم تدخل النساء في هذه الصيغ لما شاركْن الرجال في الأحكام؛ لثبوت أكثرها بهذه الصيغ، كـ (أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة)، واللازم(٦) منتف بالاتفاق.
  قلنا: إِنْ أردتم بقولكم: «لما شاركن الرجال في الأحكام» بذلك الخطاب فالملازمة مُسَلَّمَة، ولكن لا نُسلّم بطلان التالي؛ لأن المتفق عليه بطلان القول بعدم مشاركتهم
(١): وكأن قوله عز من قائل: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} وقولُه تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} وقولُه تعالى: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراًً} متأخر عن هذه الآية. اهـ
(٢) أي: أم سلمة نفت ذكرهن بقولها: يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟
(٣) أي: لا بالاستقلال ولا بالمشاركة للرجال.
(٤) يحتمل أن يكون نفيهن مضافاً إلى الفاعل، قال السعد: لكن الأنسب لصدر الكلام أن يكون إلى المفعول، أي: ولما صدق نفي أم سلمة ذكرهنَّ.
(٥) سلمنا أن السؤال لم يكن لعدم ذكرهن مطلقاً، بل كان لعدم ذكرهن بلفظ ظاهر فيهن، لكن السؤال إنما يتوجه لو كان الرجال مذكورين بصيغة كذلك، وهو ممنوع على تقدير كون جمع المذكر ظاهر فيهما. شرح غاية.
(٦) وهو عدم المشاركة للرجال في الأحكام.