[هل يصح نسخ الإجماع والقياس]
  بالإجماع وإن كان قطعياً، حتى لو أجمع الصحابة على قول ثم أجمعوا على خلافه جاز. والمختار عند الجمهور هو التفصيل: وهو أن الإجماع القطعي المتفق عليه لا يجوز تبديله، وهو المراد بما سبق من أن الإجماع لا يُنْسَخُ ولا يُنْسَخُ به، والمختلف فيه يجوز تبديله، كما إذا أجمع القرن الثاني على حكم يروى فيه خلاف من الصحابة، ثم أجمعوا بأنفسهم أو أجمع من بعدهم على خلافه فإنه يجوز؛ لجواز أن تنتهي مدة الحكم الثابت بالإجماع بتوفيق الله تعالى أهل الإجماع للإجماع على خلافه، وما يقال: إن انقطاع الوحي يوجب امتناع النسخ فمختص بما يتوقف على الوحي، والإجماع ليس كذلك. انتهى(١).
  وحكى في الفصول وغيره الخلاف في الأول(٢) عن أبي الحسين أحمد بن موسى الطبري ¦، وأبي عبد الله(٣) البصري، وحجتهما أن الإجماع في مسألة على قولين تقول بأحدهما طائفة وبالآخر الباقون إجماع من الكل على أنها اجتهادية، على المجتهد المصير إلى ما أدى إليه اجتهاده منهما، وللمقلد الأخذ بأيهما شاء، ثم إنه يجوز الإجماع على أحد القولين كما سبق، فالإجماع حينئذ على أحدهما ناسخ للإجماع الأول؛ لإبطاله الجواز(٤) الذي اقتضاه.
  قلنا: لا نسلم الإجماع الأول، لأن كل فرقة تجوِّز ما تقول به وتنفي الآخر، ولو سلم(٥) فمشروطٌ بأن لا يوجد قاطع يمنع الاجتهاد؛ للإجماع على أن الاجتهاد بخلاف القاطع لا يجوز، وقد تقدم في الإجماع ما له مزيد نفع هنا، وما تقدم يغني عما هنا.
(١) التلويح ج ٢/ ١١٠.
(٢) أي: الإجماع.
(٣) وينظر في الرواية عنه.
(٤) أي: جواز الاجتهاد.
(٥) أي: ولو سلم الإجماعان فالإجماع الأول من الأولين على جواز الاجتهاد فيما اختلفوا فيه ... إلخ.