شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الطرق الفاسدة لمعرفة النسخ]

صفحة 195 - الجزء 2

  وقيل: يكون ناسخاً مطلقاً؛ لأنه لا يقوله إلا عن نقل غالباً. وكحداثته وتأخر إسلامه؛ لأن منقول متأخر الصحبة لحداثة السن وتأخر الإسلام قد يكون متقدماً، ومنقول متقدم الصحبة قد يكون متأخراً؛ فلا دلالة في ذلك على النسخ.

  وكترتيبه في المصحف، فإن الآيات لم ترتب ترتيب النزول، ألا ترى أن وجوب الاعتداد حولاً المستفاد من قوله: {مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}⁣[البقرة ٢٤٠] منسوخ بوجوب التربص أربعة أشهر وعشراً المستفاد من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}⁣[البقرة ٢٣٤]، مع تقدم الناسخ في التلاوة، وهي نظير قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ}⁣[البقرة ١٤٢]، مع قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء}⁣[البقرة ١٤٤].

  وكموافقة الأصل، فلا يحكم بتقدم الموافق ولا بتأخره؛ إذ لا يمتنع أن يكون ابتداء الشريعة جاء بخلاف ما في الأصل⁣(⁣١) أو بما يوافقه.

  وكأخفِّية الحكم؛ لأن الأحكام مراعى فيها المصالح، فيجوز أن تكون المصلحة في تأخر الأشق كما في تأخر الأخف، كما سبق مثاله في الصيام⁣(⁣٢).

  فإن عُرِف الناسخ بطريقٍ معتبر عُمِل به، وإلا وجب الترجيح بين المتعارضين بأحد طرقه الآتية في بابه إن شاء الله تعالى إن أمكن، وإلا رُجِع إلى غيرهما.

  * * * * *


(١) والأصل هو البراءة الأصلية، وقوله: «جاء بخلاف ما في الأصل»، أي: فيكون موافق الأصل ناسخاً، وقوله: «أو بما يوافقه»، أي: فيكون المخالف ناسخاً.

(٢) قال في شرح الغاية: فإن نسخ الأخف فيه وهو وجوب صوم يوم عاشوراء بالأشق وهو وجوب صوم شهر رمضان، والأشق فيه بالأخف؛ لأنه كان في صدر الإسلام لا يحل للصائم الأكل والشرب والجماع من بعد الغروب إلا ريثما يصلي العشاء الآخرة أو ينام، فإذا صلاها أو نام حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى القابلة.