شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[المسائل التي لا يجوز التقليد فيها]

صفحة 223 - الجزء 2

[المسائل التي لا يجوز التقليد فيها]

  (ولا يجوز) أي (التقليد(⁣١) في الأصول)، سواء كانت من أصول الدين كمعرفة الباري تعالى وصفاته وقدمه واسمائه والوعد والوعيد والنبوات وما يتعلق بذلك. أو من أصول الفقه، أو من أصول الشريعة التي هي الصلاة والصوم والحج ونحوها؛ لاشتراط⁣(⁣٢) العلم فيها، وعدم حصوله بالتقليد، ولثبوت أن الحق فيها مع واحد، والمخالف مخطئ آثم، فلا يأمن المقلد أن يكون من قلده مخطئاً فيكون على ضلالة في دينه، ويكون هالكاً، سيما العقلية منها كمعرفته تعالى؛ ولذا حث تعالى على النظر والفكر فقال: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}⁣[آل عمران ١٩١]، {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}⁣[الغاشية ١٧]، وغير ذلك من القرآن كثير.

  واحتج تعالى على الكفار في القرآن وذمهم على تقليدهم الآباء في قولهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}⁣[الزخرف ٢٣].

  وأيضاً فإن معرفة الله تعالى وصفاته ونحوها واجبة بالإجماع، فلو اقتضاها التقليد لزم اجتماع النقيضين، فيكون كل منهما حقًّا، وهو محال. بيانه: أنه إذا قلَّد اثنان اثنين في المسائل المختلف فيها، كحدوث العالم وقدمه⁣(⁣٣) كان المقلِّدان عالمين بهما فيلزم حقِّيَّتهما.

  وعدم إلزام الصحابة العوام بالنظر ممنوع؛ فقد ألزموهم وصدر منهم⁣(⁣٤)، كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير؟


(١) لا أرى لإقامة الظاهر هنا مقام المضمر وجهاً والله أعلم، ويندفع بأي كما ذكرنا. منه.

(٢) علة لعدم الجواز.

(٣) بأن يحصل لزيد العلم بحدوث العالم تقليداً للقائل به، ولعمرو العلم بقدمه تقليداً لمن يقول به؛ إذ العلم يستدعي المطابقة، فيلزم حقية الحدوث والقدم.

(٤) أي: النظر حصل منهم، وكان الصحابة يعلمون من العوام العلم بذلك.