شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في آدم والملائكة أيهما أفضل

صفحة 112 - الجزء 1

  ثم قال والإذعان الانقياد والخنوع الخضوع، وإنما كرر الخنوع بعد الإذعان؛ لأن الأول يفيد أنهم أمروا بالخضوع له في السجود والثاني يفيد ثباتهم على الخضوع لتكرمته أبدا.

  ولقائل أن يقول: إنه لم يكرر لفظة الخنوع وإنما ذكر أولا الإذعان، وهو الانقياد والطاعة، ومعناه: أنهم سجدوا، ثم ذكر الخنوع الذي معناه الخضوع، وهو يعطي معنى غير المعنى الأول، لأنه ليس كل ساجد خاضعا بقلبه فقد يكون ساجدا بظاهره دون باطنه.

  وقول الراوندي أفاد بالثاني ثباتهم على الخضوع له لتكرمته أبدا تفسير لا يدل عليه اللفظ ولا معنى الكلام.

  ثم قال قبيل إبليس نسله قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}⁣[الأعراف: ٢٧] وكل جيل من الإنس والجن قبيل والصحيح أن قبيله نوعه كما أن البشر قبيل كل بشري سواء كانوا من ولده أو لم يكونوا وقد قيل أيضا كل جماعة قبيل، وإن اختلفوا نحو أن يكون بعضهم روما وبعضهم زنجا وبعضهم عربا، وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}⁣[الأعراف: ٢٧] لا يدل على أنهم نسله.

  وقوله بعد وكل جيل من الإنس والجن قبيل ينقض دعواه أن قبيله لا يكون إلا نسله.

  ثم تكلم في المعاني فقال: إن القياس الذي قاسه إبليس كان باطلا؛ لأنه ادعى أن النار أشرف من الأرض والأمر بالعكس؛ لأن كل ما يدخل إلى النار ينقص وكل ما يدخل التراب يزيد وهذا عجيب فإنا نرى الحيوانات الميتة إذا دفنت في الأرض تنقص أجسامها وكذلك الأشجار المدفونة في الأرض على أن التحقيق أن المحترق بالنار والبالي بالتراب لم تعدم أجزاؤه ولا بعضها وإنما استحالت إلى صور أخرى.