شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

القول في آدم والملائكة أيهما أفضل

صفحة 113 - الجزء 1

  ثم قال ولما علمنا أن تقديم المفضول على الفاضل قبيح علمنا أن آدم كان أفضل من الملائكة في ذلك الوقت وفيما بعده.

  ولقائل أن يقول أليس قد سجد يعقوب ليوسف # أفيدل ذلك على أن يوسف أفضل من يعقوب ولا يقال إن قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}⁣[يوسف: ١٠٠] لا يدل على سجود الوالدين، فلعل الضمير يرجع إلى الإخوة خاصة؛ لأنا نقول هذا الاحتمال مدفوع بقوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ٤}⁣[يوسف: ٤] وهو كناية عن الوالدين.

  وأيضا قد بينا أن السجود إنما كان لله سبحانه وأن آدم كان قبلة والقبلة لا تكون أفضل من الساجد إليها ألا ترى أن الكعبة ليست أفضل من النبي #: (وَاِصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى اَلْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ [إِيمَانَهُمْ] لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اَللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاِتَّخَذُوا اَلْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاِجْتَالَتْهُمُ اَلشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاِقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ اَلْعُقُولِ وَيُرُوهُمْ آيَاتِ اَلْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَتَابَعُ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْلِ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ