الكناية والرموز والتعريض مع ذكر مثل منها
  وقد فسر قوم قوله تعالى {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ٧٢}[الفرقان: ٧٢] فقالوا أراد وإذا عبروا عن اللفظ بما يقبح ذكره كنوا عنه فسمى التعبير عن الشيء مرورا به وسمى الكناية عنه كرما.
  ومن ذلك أن بنت أعرابية صرخت وقالت لسعتني العقرب فقالت أمها أين فقالت موضع لا يضع الراقي فيه أنفه كنت بذلك عن السوأة.
  ومن هذا الباب قوله سبحانه {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}[المائدة: ٧٥] قال كثير من المفسرين هو كناية عن الغائط لأنه يكون من الطعام فكني عنه إذا هو منه مسبب كما كنوا عن السمة بالنار فقالوا ما نار تلك أي ما سمتها ومنه قول الشاعر:
  قد وسموا آبالهم بالنار ... والنار قد تشفي من الأوار
  وهذا من أبيات المعاني يقول هم أهل عز ومنعة فسقى راعيهم إبلهم بالسمات التي على الإبل وعلم المزاحمون له في الماء أنه لا طاقة لهم بمنازعتهم عليه لعزهم فكانت السمات سببا لسقيها والأوار العطش فكنى سبحانه بقوله {يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}[المائدة: ٧٥] عن إتيان الغائط لما كان أكل الطعام سببا له كما كنى الشاعر بالنار عن السمة لما كانت النار سبب السمة.