شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

باب لزوم ما لا يلزم وإيراد أمثلة منه

صفحة 142 - الجزء 1

  والمنعم على الكل جاز لواحد من بني هاشم لا سيما مثل علي # أن يقول هذه الكلمات، واعلم أن عليا # كان يدعي التقدم على الكل والشرف على الكل والنعمة على الكل بابن عمه ÷ وبنفسه وبأبيه أبي طالب فإن من قرأ علوم السير عرف أن الإسلام لو لا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا.

  وليس لقائل أن يقول كيف يقال هذا في دين تكفل الله تعالى بإظهاره سواء كان أبو طالب موجودا أو معدوما؛ لأنا نقول فينبغي على هذا ألا يمدح رسول الله ÷ ولا يقال إنه هدى الناس من الضلالة وأنقذهم من الجهالة وإن له حقا على المسلمين، وإنه لولاه لما عبد الله تعالى في الأرض وألا يمدح أبو بكر، ولا يقال: إن له أثرا في الإسلام وإن عبد الرحمن وسعدا وطلحة، وعثمان، وغيرهم من الأولين في الدين اتبعوا رسول الله ÷ لاتباعه له، وإن له يدا غير مجحودة في الإنفاق، واشتراء المعذبين وإعتاقهم، وإنه لولاه لاستمرت الردة بعد الوفاة وظهرت دعوة مسيلمة، وطليحة، وإنه لو لا عمر لما كانت الفتوح، ولا جهزت الجيوش ولا قوي أمر الدين بعد ضعفه، ولا انتشرت الدعوة بعد خمولها.

  فإن قلتم في كل ذلك إن هؤلاء يحمدون ويثنى عليهم؛ لأن الله تعالى أجرى هذه الأمور على أيديهم ووفقهم لها، والفاعل بذلك بالحقيقة هو الله تعالى وهؤلاء آلة مستعملة، ووسائط تجرى الأفعال على أيديها فحمدهم والثناء عليهم والاعتراف لهم إنما هو باعتبار ذلك.

  قيل لكم في شأن أبي طالب مثله.