شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أمر المهاجرين والأنصار بعد بيعة أبي بكر

صفحة 32 - الجزء 6

  عظيم في الإسلام وهما من أول من أسلم من قريش ولهما عبادة وفضل فغضب للأنصار وشتم عمرو بن العاص وقال يا معشر قريش إن عمرا دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه فلما لم يستطع أن يكيده بيده كاده بلسانه وإن من كيده الإسلام تفريقه وقطعه بين المهاجرين والأنصار والله ما حاربناهم للدين ولا للدنيا لقد بذلوا دماءهم لله تعالى فينا وما بذلنا دماءنا لله فيهم وقاسمونا ديارهم وأموالهم وما فعلنا مثل ذلك بهم وآثرونا على الفقر وحرمناهم على الغنى ولقد وصى رسول الله بهم وعزاهم عن جفوة السلطان فأعوذ بالله أن أكون وإياكم الخلف المضيع والسلطان الجاني.

  قلت هذا خالد بن سعيد بن العاص هو الذي امتنع من بيعة أبي بكر وقال لا أبايع إلا عليا وقد ذكرنا خبره فيما تقدم.

  وأما قوله في الأنصار وعزاهم عن جفوة السلطان فإشارة إلى

  قول النبي ÷ ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تقدموا علي الحوض وهذا الخبر هو الذي يكفر كثير من أصحابنا معاوية بالاستهزاء به وذلك أن النعمان بن بشير الأنصاري جاء في جماعة من الأنصار إلى معاوية فشكوا إليه فقرهم وقالوا لقد صدق رسول الله ÷ في قوله لنا ستلقون بعدي أثرة فقد لقيناها قال معاوية فما ذا قال لكم قالوا قال لنا فاصبروا حتى تردوا علي الحوض قال فافعلوا ما أمركم به عساكم تلاقونه غدا عند الحوض كما أخبركم وحرمهم ولم يعطهم شيئا.

  قال الزبير وقال خالد بن سعيد بن العاص في ذلك

  تفوه عمرو بالذي لا نريده ... وصرح للأنصار عن شنأة البغض

  فإن تكن الأنصار زلت فإننا ... نقيل ولا نجزيهم بالقرض