شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

طرف من أخبار عمر بن الخطاب

صفحة 182 - الجزء 1

  وقال مرة: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك، إنه تعالى قال: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ٢٠}⁣[النساء: ٢٠]، فقال: كل النساء أفقه من عمر حتى ربات الحجال.

  ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت فاضلت إمامكم ففضلته.

  ومر يوما بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه وقال: إن الله تعالى يقول: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}⁣[الأحقاف: ٢٠]، فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين، إنها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ ما قبلها {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}⁣[الأحقاف: ٢٠]، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر.

  وقيل: إن عمر كان يعس بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت، فارتاب فتسور الحائط فوجد امرأة ورجلا وعندهما زق خمر، فقال: يا عدو الله، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته؟ قال: يا أميرالمؤمنين، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال الله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا}⁣[الحجرات: ١٢] وقد تجسست، وقال: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}⁣[البقرة: ١٨٩] وقد تسورت، وقال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا}⁣[النور: ٦١] وما سلمت.

  وقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله ÷ وأنا محرمهما ومعاقب عليهما، متعة النساء، ومتعة الحج.

  وهذا الكلام وإن كان ظاهره منكرا فله عندنا مخرج وتأويل، وقد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم.