شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

طرف من أخبار عمر بن الخطاب

صفحة 183 - الجزء 1

  وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد ويتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله ÷، ومعاذ الله أن يقصد بها ظاهرها، ولكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، ولم يتحفظ منها وكان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك.

  ولجفاة الأعراب من هذا الفن كثير، سمع سليمان بن عبد الملك أعرابيا يقول في سنة قحط:

  رب العباد ما لنا وما لكا ... قد كنت تسقينا فما بدا لكا

  أنزل علينا القطر لا أبا لكا

  فقال: سليمان أشهد أنه لا أب له، ولا صاحبه، ولا ولد، فأخرجه أحسن مخرج.

  وعلى نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي ÷: ألم تقل لنا ستدخلونها في ألفاظ نكره حكايتها حتى شكاه النبي ÷ إلى أبي بكر، وحتى قال له أبو بكر الزم بغرزه فو الله إنه لرسول الله.

  وعمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة بل مفارقة دار الإسلام كلها وعاد مرتدا داخلا في دين النصرانية لأجل لطمة لطمها وقال جبلة بعد ارتداده متندما على ما فعل:

  تنصرت الأشراف من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

  فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر