شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر جنكزخان وفتنة التتر

صفحة 228 - الجزء 8

  عقله مما اعتراه من خوف التتار أو لأمر سلطه الله تعالى عليه فكان يهذي بالتتار بكرة وعشية وكل وقت وكل ساعة ويقول هو ذا هم قد خرجوا من هذا الباب قد هجموا من هذه الدرجة ويرعد ويحول لونه ويختل كلامه وحركاته.

  وحكى لي فقيه خراساني وصل إلى بغداد يعرف بالبرهان قال كان أخي معه وكان ممن يثق خوارزمشاه به ويختصه قال لهج خوارزمشاه لما تغير عقله بكلمة كان يقولها قرا تتر كلدي يكررها وتفسيرها التتر السود قد جاءوا وفي التتر صنف سود يشبهون الزنج لهم سيوف عريضة جدا على غير صورة هذه السيوف يأكلون لحوم الناس فكان خوارزمشاه قد أهتر وأغري بذكرهم.

  وحدثني البرهان قال رقي به شمس الدين أنليمش إلى قلعة من قلاع الهند حصينة عالية شاهقة لا يعلوها الغيم أبدا وإنما تمطر السحب من تحتها وقال له هذه القلعة لك وذخائرها أموالك فكن فيها وادعا آمنا إلى أن يستقيم طالعك فالملوك ما زالوا هكذا يدبر طالعهم ثم يقبل فقال له لا أقدر على الثبات فيها والمقام بها لأن التتر سوف يطلبونني ويقدمون إلى هاهنا ولو شاءوا لوضعوا سروج خيلهم واحدا على واحد تحت القلعة فبلغت إلى ذروتها وصعدوا عليها فأخذوني قبضا باليد فعلم أنليمش أن عقله قد تغير وأن الله تعالى قد بدل ما به من نعمة فقال فما الذي تريد قال أريد أن تحملني في البحر المعروف ببحر المعبر إلى كرمان فحمله في نفر يسير من مماليكه إلى كرمان ثم خرج منها إلى أطراف بلاد فارس فمات هناك في قرية من قرى فارس وأخفي موته لئلا يقصده التتر وتطلب جثته.