شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أسباب المنافسة بين علي وعثمان

صفحة 27 - الجزء 9

  لم يقم منه صورة حجة تغني ولا دلالة تحسب وتكفي ولذلك لم يحتج علي # يوم السقيفة بما ورد فيه لأنه لم يكن نصا جليا يقطع العذر ويوجب الحجة وعادة الملوك إذا تمهد ملكهم وأرادوا العقد لولد من أولادهم أو ثقة من ثقاتهم أن يصرحوا بذكره ويخطبوا باسمه على أعناق المنابر وبين فواصل الخطب ويكتبوا بذلك إلى الآفاق البعيدة عنهم والأقطار النائية منهم ومن كان منهم ذا سرير وحصن ومدن كثيرة ضرب اسمه على صفحات الدنانير والدراهم مع اسم ذلك الملك بحيث تزول الشبهة في أمره ويسقط الارتياب بحاله فليس أمر الخلافة بهين ولا صغير ليترك حتى يصير في مظنة الاشتباه واللبس ولعله كان لرسول الله ÷ في ذلك عذر لا نعلمه نحن إما خشية من فساد الأمر أو إرجاف المنافقين وقولهم إنها ليس بنبوة وإنما هي ملك به أوصى لذريته وسلالته ولما لم يكن أحد من تلك الذرية في تلك الحال صالحا للقيام بالأمر لصغر السن جعله لأبيهم ليكون في الحقيقة لزوجته التي هي ابنته ولأولاده منها من بعده.

  وأما ما تقوله المعتزلة وغيرهم من أهل العدل أن الله تعالى علم أن المكلفين يكونون على ترك الأمر مهملا غير معين أقرب إلى فعل الواجب وتجنب القبيح قال ولعل رسول الله ÷ لم يكن يعلم في مرضه أنه يموت في ذلك المرض وكان يرجو البقاء فيمهد للإمامة قاعدة واضحة ومما يدل على ذلك أنه لما نوزع في إحضار الدواة والكتف ليكتب لهم ما لا يضلون بعده غضب وقال اخرجوا عني لم يجمعهم بعد الغضب ثانية ويعرفهم رشدهم ويهديهم إلى مصالحهم بل ارجأ الأمر إرجاء من يرتقب الإفاقة وينتظر العافية.

  قال فبتلك الأقوال المحجمة والكنايات المحتملة والرموز المشتبهة مثل حديث