شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ترجمة عائشة وذكر طرف من أخبارها

صفحة 194 - الجزء 9

  لعلي # وتقريبه واختصاصه فأحدث ذلك حسدا له وغبطة في نفس أبي بكر عنه وهو أبوها وفي نفس طلحة وهو ابن عمها وهي تجلس إليهما وتسمع كلامهما وهما يجلسان إليها ويحادثانها فأعدى إليها منهما كما أعدتهما.

  قال ولست أبرئ عليا # من مثل ذلك فإنه كان ينفس على أبي بكر سكون النبي ÷ إليه وثناءه عليه ويحب أن ينفرد هو بهذه المزايا والخصائص دونه ودون الناس أجمعين ومن انحرف عن إنسان انحرف عن أهله وأولاده فتأكدت البغضة بين هذين الفريقين ثم كان من أمر القذف ما كان ولم يكن علي # من القاذفين ولكنه كان من المشيرين على رسول الله ÷ بطلاقها تنزيها لعرضه عن أقوال الشنأة والمنافقين.

  قال له لما استشاره إن هي إلا شسع نعلك وقل له سل الخادم وخوفها وإن أقامت على الجحود فاضربها وبلغ عائشة هذا الكلام كله وسمعت أضعافه مما جرت عادة الناس أن يتداولوه في مثل هذه الواقعة ونقل النساء إليها كلاما كثيرا عن علي وفاطمة وأنهما قد أظهرا الشماتة جهارا وسرا بوقوع هذه الحادثة لها فتفاقم الأمر وغلظ.

  ثم إن رسول الله ÷ صالحها ورجع إليها ونزل القرآن ببراءتها فكان منها ما يكون من الإنسان ينتصر بعد أن قهر ويستظهر بعد أن غلب ويبرأ بعد أن اتهم من بسط اللسان وفلتات القول وبلغ ذلك كله عليا # وفاطمة # فاشتدت الحل وغلظت وطوى كل من الفريقين قلبه على الشنئان لصاحبه ثم كان بينها وبين علي # في حياة رسول الله ÷ أحوال وأقوال كلها تقتضي تهييج ما في النفوس نحو قولها له وقد استدناه رسول الله فجاء حتى قعد بينه