شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

162 - ومن خطبة له #

صفحة 239 - الجزء 9

  فَغُضُّوا عَنْكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ غُمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا لِمَا أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهَا فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ اَلشَّفِيقِ اَلنَّاصِحِ وَاَلْمُجِدِّ اَلْكَادِحِ وَاِعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ اَلْقُرُونِ قَبْلَكُمْ قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ وَاِنْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ اَلْأَوْلاَدِ فَقْدَهَا وَبِصُحْبَةِ اَلْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا لاَ يَتَفَاخَرُونَ وَلاَ يَتَنَاسَلُونَ وَلاَ يَتَزَاوَرُونَ وَلاَ يَتَحَاوَرُونَ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اَللَّهِ حَذَرَ اَلْغَالِبِ لِنَفْسِهِ اَلْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ اَلنَّاظِرِ بِعَقْلِهِ فَإِنَّ اَلْأَمْرَ وَاضِحٌ وَاَلْعَلَمَ قَائِمٌ وَاَلطَّرِيقَ جَدَدٌ وَاَلسَّبِيلَ قَصْدٌ المنجاة مصدر نجا ينجو نجاة ومنجاة والنجاة الناقة ينجى عليها فاستعارها هاهنا للطاعة والتقوى كأنها كالمطية المركوبة يخلص بها الإنسان من الهلكة.

  قوله رهب فأبلغ الضمير يرجع إلى الله سبحانه أي خوف المكلفين فأبلغ في التخويف ورغبهم فأتم الترغيب وأسبغه ثم أمر بالإعراض عما يسر ويروق من أمر الدنيا لقلة ما يصحب الناس من ذلك ثم قال إنها أقرب دار من سخط الله وهذا نحو

  قول النبي ÷ حب الدنيا رأس كل خطيئة.