شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

204 - ومن خطبة له #

صفحة 55 - الجزء 11

  ليس قوله تكركره الرياح منافيا للنظر الحكمي أيضا لأن كرة الهواء محيطة بكرة وقد تعصف الرياح في كرة الهواء للأسباب المذكورة في موضعها من هذا العلم فيتموج كثير من الكرة المائية لعصف الرياح.

  وليس قوله # وتمخضه الغمام الذوارف صريحا في أن السحب تنزل في البحر فتغترف منه كما قد يعتقد في المشهور العامي نحو قول الشاعر:

  كالبحر تمطره السحاب وما لها ... فضل عليه لأنها من مائه

  بل يجوز أن تكون الغمام الذراف تمخضه وتحركه بما ترسل عليه من الأمطار السائلة منها فقد ثبت أن كلام أمير المؤمنين # موجه إن شئت فسرته بما يقوله أهل الظاهر وإن شئت فسرته بما يعتقده الحكماء.

  فإن قلت فكيف قال الله تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}⁣[الأنبياء: ٣٠] وهل كان الذين كفروا راءين لذلك حتى يقول لهم أَ وَلَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا.

  قلت هذا في قوله اعلموا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما كما يقول الإنسان لصاحبه ألم تعلم أن الأمير صرف حاجبه الليلة عن بابه أي اعلم ذلك إن كنت غير عالم والرؤية هنا بمعنى العلم.

  واعلم أنه قد ذهب قوم من قدماء الحكماء ويقال أنه مذهب سقراط إلى تفسير القيامة وجهنم بما يبتني على وضع الأرض على الماء فقالوا الأرض موضوعة على الماء والماء على الهواء والهواء على النار والنار في حشو الأفلاك ولما كان العنصران الخفيفان وهما الهواء والنار يقتضيان صعود ما يحيطان به والعنصران الثقيلان اللذان في وسطهما وهما