شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر بعض أحوال العارفين والأولياء

صفحة 79 - الجزء 11

  حبس الشبلي في المارستان بين المجانين فدخل عليه جماعة فقال من أنتم قالوا محبوك أيها الشيخ فأقبل يرميهم بالحجارة ففروا فقال إذا ادعيتم محبتي فاصبروا على بلائي.

  كتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد البسطامي قد سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته فكتب إليه أبو يزيد غيرك شرب بحور السموات والأرض وما روي بعد ولسانه خارج ويقول هل من مزيد.

  ومن شعرهم في هذا المعنى:

  عجبت لمن يقول ذكرت ربي ... وهل أنسى فأذكر ما نسيت

  شربت الحب كأسا بعد كأس ... فما نفد الشراب ولا رويت

  ويقال إن الله تعالى أوحى إلى بعض الأنبياء إذا اطلعت على قلب عبد فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته من حبي وقال أبو علي الدقاق إن في بعض الكتب المنزلة عبدي أنا وحقك لك محب فبحقي عليك كن لي محبا.

  وقال عبد الله بن المبارك من أعطي قسطا من المحبة ولم يعط مثله من الخشية فهو مخدوع.

  وقيل المحبة ما تمحو أثرك وتسلبك عن وجودك.

  وقيل المحبة سكر لا يصحوا صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه ثم إن السكر الذي يحصل عند المشاهدة لا يوصف وأنشد

  فأكسر القوم دور كأس

  وكان سكرى من المدير

  وكان أبو علي الدقاق ينشد كثيرا