شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

211 - ومن كلام له #

صفحة 112 - الجزء 11

  وتارة بعمه حمزة وأخيه جعفر وهما ميتان وتارة بالأنصار وتارة ببني عبد مناف ويجمع الجموع في داره ويبث الرسل والدعاة ليلا ونهارا إلى الناس يذكرهم فضله وقرابته ويقول للمهاجرين خصمتم الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول الله ÷ وأنا أخصمكم بما خصمتم به الأنصار لأن القرابة إن كانت هي المعتبرة فأنا أقرب منكم.

  وهلا خاف من هذا الامتناع ومن هذا الاحتجاج ومن الخلوة في داره بأصحابه ومن تنفير الناس عن البيعة التي عقدت حينئذ لمن عقدت له.

  وكل هذا إذا تأمله المنصف علم أن الشيعة أصابت في أمر وأخطأت في أمر أما الأمر الذي أصابت فيه فقولها إنه امتنع وتلكأ وأراد الأمر لنفسه وأما الأمر الذي أخطأت فيه فقولها إنه كان منصوصا عليه نصا جليا بالخلافة تعلمه الصحابة كلها أو أكثرها وأن ذلك النص خولف طلبا للرئاسة الدنيوية وإيثارا للعاجلة وأن حال المخالفين للنص لا تعدو أحد أمرين إما الكفر أو الفسق فإن قرائن الأحوال وأماراتها لا تدل على ذلك وإنما تدل وتشهد بخلافه وهذا يقتضي أن أمير المؤمنين # كان في مبدإ الأمر يظن أن العقد لغيره كان عن غير نظر في المصلحة وأنه لم يقصد به إلا صرف الأمر عنه والاستئثار عليه فظهر منه ما ظهر من الامتناع والعقود في بيته إلى أن صح عنده وثبت في نفسه أنهم أصابوا فيما فعلوه وأنهم لم يميلوا إلى هوى ولا أرادوا الدنيا وإنما فعلوا الأصلح في ظنونهم لأنه رأى من بغض الناس له وانحرافهم عنه وميلهم عليه وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم وتذكروا التراث التي وتراهم فيما قبل بها والدماء التي سفكها منهم وأراقها.