شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

216 - ومن كلام له # قاله بعد تلاوته

صفحة 148 - الجزء 11

  ثم قال لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة أي لم ينظروا النظر المفضي إلى الرؤية لأن أبصارهم ذات عشوة وهو مرض في العين ينقص به الأبصار وفي عين فلان عشاء وعشوة بمعنى ومنه قيل لكل أمر ملتبس يركبه الراكب على غير بيان أمر عشوة ومنه أوطأتني عشوة ويجوز بالضم والفتح.

  قال وضربوا بهم في غمرة جهالة أي وضربوا من ذكر هؤلاء الموتى في بحر جهل والضرب ها هنا استعارة أو يكون من الضرب بمعنى السير كقوله تعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}⁣[النساء: ١٠١] أي خاضوا وسبحوا من ذكرهم في غمرة جهالة وكل هذا يرجع إلى معنى واحد وهو تسفيه رأي المفتخرين بالموتى والقاطعين الوقت بالتكاثر بهم إعراضا عما يجب إنفاقه من العمر في الطاعة والعبادة.

  ثم قال لو سألوا عنهم ديارهم التي خلت منهم ويمكن أن يريد بالديار والربوع القبور لقالت ذهبوا في الأرض ضلالا أي هالكين ومنه قوله تعالى {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}⁣[السجدة: ١٠].

  و ذهبتم في أعقابهم أي بعدهم جهالا لغفلتكم وغروركم.

  قوله # تطئون في هامهم أخذ هذا المعنى أبو العلاء المعري فقال:

  خفف الوطء ما أظن أديم ... الأرض إلا من هذه الأجساد

  رب لحد قد صار لحدا مرارا ... ضاحك من تزاحم الأضداد