بيان أحوال العارفين
  ومنها التفويض قال الله تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٢١٦}[البقرة: ٢١٦] فاستوقف من عقل أمره عن الاقتراح عليه وأفهمه ما يرضاه به من التفويض إليه فالعاقل تارك للاقتراح على العالم بالصلاح.
  وقال تعالى {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ١٩}[النساء: ١٩] فبعث على تأكيد الرجاء بقوله {خَيْرًا كَثِيرًا ١٩}.
  و لما فوض مؤمن آل فرعون أمره إلى الله {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ٤٥}[غافر: ٤٥] كما ورد في الكتاب العزيز.
  وحقيقة التفويض هي التسليم لأحكام الحق سبحانه وإلى ذلك وقعت الإشارة بقوله تعالى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ٥١}[التوبة: ٥١] فأس التفويض والباعث عليه هو اعتقاد العجز عن مغالبة القدر وأنه لا يكون في الخير والشر أعني الرخص والصحة وسعة الرزق والبلايا والأمراض والعلل وضيق الرزق إلا ما أراد الله تعالى كونه ولا يصح التفويض ممن لم يعتقد ذلك ولم يعلمه علم اليقين.
  وقد بالغ النبي ÷ في التصريح به والنص عليه
  بقوله لعبد الله بن مسعود ليقل همك ما قدر أتاك وما لم يقدر لم يأتك ولو جهد الخلق أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك