شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن التاسع

صفحة 261 - الجزء 12

  ومن جملة المطاعن أنه أمر بضرب الأعناق إن تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام ومعلوم أنهم بذلك لا يستحقون القتل لأنهم إذا كانوا إنما كلفوا أن يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام فربما طال زمان الاجتهاد وربما قصر بحسب ما يعرض فيه من العوارض فأي معنى للأمر بالقتل إذا تجاوزوا الأيام الثلاثة ثم أنه أمر بقتل من يخالف الأربعة ومن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن وكل ذلك مما لا يستحق به القتل.

  فأما تضعيف أبي علي لذكر القتل فليس بحجة مع أن جميع من روى قصة الشورى روى ذلك وقد روى الطبري ذلك في تاريخه وغيره.

  فأما تأوله الأمر بالقتل على أن المراد به إذا تأخروا على طريق شق العصا وطلب الأمر من غير وجهه فبعيد من الصواب لأنه ليس في ظاهر الخبر ذلك ولأنهم إذا شقوا العصا وطلبوا الأمر من غير وجهه من أول يوم وجب أن يمنعوا ويقاتلوا فأي معنى لضرب الأيام الثلاثة أجلا.

  فأما تعلقه بالتهديد فكيف يجوز أن يتهدد الإنسان على فعل بما لا يستحقه وإن علم أنه لا يعزم عليه.

  فأما قوله تعالى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}⁣[الزمر: ٦٥] فيخالف ما ذكر لأن الشرك يستحق به إحباط الأعمال وليس يستحق بالتأخير عن البيعة القتل.

  فأما ادعاء صاحب الكتاب أن الجماعة دخلوا في الشورى على سبيل الرضا وأن عبد الرحمن أخذ عليهم العهد أن يرضوا بما يفعله فمن قرأ قصة الشورى على وجهها وعدل عما تسوله النفس من بناء الأخبار على المذاهب علم أن الأمر بخلاف ما ذكر وقد روى الطبري في تاريخه عن أشياخه من طرق مختلفة أن أمير المؤمنين # قال حين خرج من عند عمر بعد خطابه للجماعة بما تقدم ذكره لقوم كانوا معه من بني هاشم إن طمع فيكم قومكم لم تؤمروا أبدا وتلقاه العباس بن عبد المطلب