شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

225 - ومن خطبة له #

صفحة 8 - الجزء 13

  عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ تَقَلُّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ اَلآْخِرَةِ وَيَرَوْنَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَهُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ بين ظهراني أهل الآخرة بفتح النون ولا يجوز كسرها ويجوز بين ظهري أهل الآخرة لو روي والمعنى في وسطهم.

  قوله # كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها أي هم من أهلها في ظاهر الأمر وفي مرأى العين وليسوا من أهلها لأنه لا رغبة عندهم في ملاذها ونعيمها فكأنهم خارجون عنها.

  قوله عملوا فيها بما يبصرون أي بما يرونه أصلح لهم ويجوز أن يريد أنهم لشدة اجتهادهم قد أبصروا المآل فعملوا فيها على حسب ما يشاهدونه من دار الجزاء وهذا كقوله # لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.

  قوله # وبادروا فيها ما يحذرون أي سابقوه يعني الموت.

  قوله # تقلب أبدانهم هذا محمول تارة على الحقيقة وتارة على المجاز أما الأول فلأنهم لا يخالطون إلا أهل الدين ولا يجالسون أهل الدنيا وأما الثاني فلأنهم لما استحقوا الثواب كان الاستحقاق بمنزلة وصولهم إليه فأبدانهم تتقلب بين ظهراني أهل الآخرة أي بين ظهراني قوم هم بمنزلة أهل الآخرة لأن المستحق للشيء نظير لمن فعل به ذلك الشي ء.

  ثم قال هؤلاء الزهاد يرون أهل الدنيا إنما يستعظمون موت الأبدان وهم أشد استعظاما لموت القلوب وقد تقدم من كلامنا في صفات الزهاد والعارفين ما فيه كفاية