شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر أحوال الذرة وعجائب النملة

صفحة 64 - الجزء 13

  الْأَرْضِ}⁣[النساء: ١٠١] وهذا الكلام استعارة.

  قال لو أمعنت النظر لعلمت أن خالق النملة الحقيرة هو خالق النخلة الطويلة لأن كل شيء من الأشياء تفصيل جسمه وهيئته تفصيل دقيق واختلاف تلك الأجسام في أشكالها وألوانها ومقاديرها اختلاف غامض السبب فلا بد للكل من مدبر يحكم بذلك الاختلاف ويفعله على حسب ما يعلمه من المصلحة.

  ثم قال وما الجليل والدقيق في خلقه إلا سواء لأنه تعالى قادر لذاته لا يعجزه شيء من الممكنات.

  ثم قال فانظر إلى الشمس والقمر إلى قوله والألسن المختلفات هذا هو الاستدلال بإمكان الأعراض على ثبوت الصانع والطرق إليه أربعة أحدها الاستدلال بحدوث الأجسام.

  والثاني الاستدلال بإمكان الأعراض والأجسام.

  والثالث الاستدلال بحدوث الأعراض.

  والرابع الاستدلال بإمكان الأعراض.

  وصورة الاستدلال هو أن كل جسم يقبل للجسمية المشتركة بينه وبين سائر الأجسام ما يقبله غيره من الأجسام فإذا اختلفت الأجسام في الأعراض فلا بد من مخصص خصص هذا الجسم بهذا العرض دون أن يكون هذا العرض لجسم آخر ويكون لهذا الجسم عرض غير هذا العرض لأن الممكنات لا بد لها من مرجح يرجح أحد طرفيها على الآخر فهذا هو معنى قوله فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات أي أنه يمكن أن تكون هيئة