شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

235 - ومن خطبة له #

صفحة 104 - الجزء 13

  معنى قوله إلا بمعرفة الحجة في الأرض قال فمن عرف الإمام وأقر به فهو مهاجر.

  قال ولا يجوز أن يسمى من عرف الإمام مستضعفا يمكن أن يشير به إلى آيتين في القرآن أحدهما قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}⁣[النساء: ٩٧] فالمراد على هذا أنه ليس من عرف الإمام وبلغه خبره بمستضعف كما كان هؤلاء مستضعفين وإن كان في بلده وأهله لم يخرج ولم يتجشم مشقة السفر.

  ثانيهما قوله تعالى في الآية التي تلي الآية المذكورة {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ٩٨ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}⁣[النساء: ٩٨ - ٩٩] فالمراد على هذا أنه ليس من عرف الإمام وبلغه خبره بمستضعف كهؤلاء الذين استثناهم الله تعالى من الظالمين لأن أولئك كانت الهجرة بالبدن مفروضة عليهم وعفي عن ذوي العجز عن الحركة منهم وشيعة الإمام # ليست الهجرة بالبدن مفروضة عليهم بل تكفي معرفتهم به وإقرارهم بإمامته فلا يقع اسم الاستضعاف عليهم.

  فإن قلت فما معنى قوله من مستسر الأمة ومعلنها وبما ذا يتعلق حرف الجر قلت معناه ما دام لله في أهل الأرض المستسر منهم باعتقاده والمعلن حاجة فمن على هذا زائدة فلو حذفت لجر المستسر بدلا من أهل الأرض ومن إذا كانت زائدة لا تتعلق نحو قولك ما جاءني من أحد.