شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر ورد المرتضى عليه

صفحة 189 - الجزء 13

  وقد استدل قاضي القضاة أيضا عن صحة إمامة أبي بكر وأسند هذا الاستدلال إلى شيخنا أبي علي بقوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}⁣[الفتح: ١١] وقال تعالى {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ٨٣}⁣[التوبة: ٨٣] وقال تعالى {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ}⁣[الفتح: ١٥] يعني قوله تعالى {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا}⁣[التوبة: ٨٣] ثم قال سبحانه {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ١٦}⁣[الفتح: ١٦] فبين أن الذي يدعو هؤلاء المخلفين من الأعراب إلى قتال قوم أولي بأس شديد غير النبي ÷ لأنه تعالى قد بين أنهم لا يخرجون معه ولا يقاتلون معه عدوا بآية متقدمة ولم يدعهم بعد النبي ÷ إلى قتال الكفار إلا أبو بكر وعمر وعثمان لأن أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل فقال بعضهم عنى بقوله {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}⁣[الفتح: ١٦] بني حنيفة وقال بعضهم عنى فارس والروم وأبو بكر هو الذي دعا إلى قتال بني حنيفة وقتال آل فارس والروم ودعاهم بعده إلى قتال فارس والروم عمر فإذا كان الله تعالى قد بين أنهم بطاعتهم لهما يؤتهم أجرا حسنا وإن تولوا عن طاعتهما يعذبهم عذابا أليما صح أنهما على حق وأن طاعتهما طاعة لله تعالى وهذا يوجب صحة إمامتهما.