شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر ورد المرتضى عليه

صفحة 190 - الجزء 13

  فإن قيل إنما أراد الله بذلك أهل الجمل وصفين قيل هذا فاسد من وجهين أحدهما قوله تعالى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}⁣[الفتح: ١٦] والذين حاربوا أمير المؤمنين كانوا على الإسلام ولم يقاتلوا على الكفر والوجه الثاني أنا لا نعرف من الذين عناهم الله تعالى بهذا من بقي إلى أيام أمير المؤمنين # كما علمنا أنهم كانوا باقين في أيام أبي بكر.

  اعترض المرتضى | على هذا الكلام من وجهين أحدهما أنه نازع في اقتضاء الآية داعيا يدعو هؤلاء المخلفين غير النبي ÷ وذلك لأن قوله تعالى {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ١١ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ١٢}⁣[الفتح: ١١ - ١٢].

  إنما أراد به سبحانه الذين تخلفوا عن الحديبية بشهادة جميع أهل النقل وإطباق المفسرين.

  ثم قال تعالى {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ١٥}⁣[الفتح: ١٥] وإنما التمس هؤلاء المخلفون أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى من ذلك وأمر نبيه أن يقول لهم لن تتبعونا إلى هذه الغزاة لأن الله تعالى كان حكم من قبل بأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وأنه لا حظ لمن لم يشهدها وهذا هو معنى قوله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}⁣[الفتح: ١٥] وقوله {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ}⁣[الفتح: ١٥] ثم قال تعالى {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ