الفصل الأول إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب
  وتلقوا بيع الأبطحين محمدا ... على ربوة في رأس عنقاء عيطل
  وتأوي إليه هاشم إن هاشما ... عرانين كعب آخر بعد أول
  فإن كنتم ترجون قتل محمد ... فروموا بما جمعتم نقل يذبل
  فإنا سنحميه بكل طمرة ... وذي ميعة نهد المراكل هيكل
  وكل رديني ظماء كعوبه ... وعضب كإيماض الغمامة مفصل
  قلت كان صديقنا علي بن يحيى البطريق | يقول لو لا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها يمدح ابن أخيه محمدا وهو شاب قد ربي في حجره وهو يتيمه ومكفوله وجار مجرى أولاده بمثل قوله:
  وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا ... على ربوة في رأس عنقاء عيطل
  وتأوي إليه هاشم إن هاشما ... عرانين كعب آخر بعد أول
  ومثل قوله:
  وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
  يطيف به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل
  فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس وإنما هو من مديح الملوك والعظماء فإذا تصورت أنه شعر أبي طالب ذاك الشيخ المبجل العظيم في محمد ÷ وهو شاب مستجير به معتصم بظله من قريش قد رباه في حجره غلاما وعلى عاتقه طفلا وبين يديه شابا يأكل من زاده ويأوي إلى داره علمت موضع خاصية النبوة وسرها وأن أمره كان عظيما وأن الله تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا.