شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

1 - فمن خطبة له # يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

صفحة 81 - الجزء 1

  وأما قوله: (أحال الأشياء لأوقاتها)، فمن رواها أحل الأشياء لأوقاتها، فمعناه جعل محل كل شيء ووقته كمحل الدين، ومن رواها أحال فهو من قولك حال في متن فرسه، أي وثب وأحاله غيره أي أوثبه على متن الفرس عداه بالهمزة، وكأنه لما أقر الأشياء في أحيانها وأوقاتها صار كمن أحال غيره على فرسه.

  وقوله: (و لائم بين مختلفاتها)، أي: جعل المختلفات ملتئمات كما قرن النفس الروحانية بالجسد الترابي جلت عظمته، وقوله: (و غرز غرائزها) المروي بالتشديد، والغريزة الطبيعة وجمعها غرائز، وقوله: (غرزها) أي جعلها غرائز كما قيل سبحان من ضوأ الأضواء، ويجوز أن يكون من غرزت الإبرة بمعنى غرست، وقد رأيناه في بعض النسخ بالتخفيف.

  وقوله: (و ألزمها أشباحها)، الضمير المنصوب في ألزمها عائد إلى الغرائز، أي: ألزم الغرائز أشباحها، أي: أشخاصها جمع شبح وهذا حق؛ لأن كلا مطبوع على غريزة لازمة فالشجاع لا يكون جبانا والبخيل لا يكون جوادا، وكذلك كل الغرائز لازمة لا تنتقل.

  وقوله: (عالما بها قبل ابتدائها)، إشارة إلى أنه عالم بالأشياء فيما لم يزل، وقوله: (محيطا بحدودها وانتهائها)، أي بأطرافها ونهاياتها.

  وقوله: (عارفا بقرائنها وأحنائها)، القرائن جمع قرونة وهي النفس والأحناء الجوانب جمع حنو، يقول: إنه سبحانه عارف بنفوس هذه الغرائز التي ألزمها أشباحها، عارف بجهاتها وسائر أحوالها المتعلقة بها والصادرة عنها.