محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الحجر

صفحة 366 - الجزء 2

  {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٣٠ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ٣١} وكان هذا اختباراً منه جل وعلا لملائكته، من سيذعن منهم لأوامره، ويتواضع ويتضعضع لعظمته؛ فسجد جميعهم إلا إبليس؛ فإنه استكبر عن ذلك، ولم يتنازل لأن يسجد لبشر من طين، وكيف يسجد له وهو أفضل منه لكونه خُلِق من النار، والنار أشرف من الطين؟ وكان بتكبره هذا إنما يتكبر على الله سبحانه وتعالى عندما لم يمتثل لأوامره وتعاظم عن الانقياد لأمره.

  {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ٣٢}⁣(⁣١) استنكر الله سبحانه وتعالى على إبليس امتناعه عن الامتثال لأمره.

  {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٣٣} فيجيب إبليس بأنه لا ينبغي له أن يسجد لبشر أدنى منه في الخلقة، وزعم أن ذلك


(١) سؤال: يقال: كيف يكون المعنى نظراً لتحليل الكلام وفكه تبع التركيب الإعرابي فكثيراً ما يشكل هذا التركيب؟

الجواب: الإشكال حصل بسبب مجيء «أن» المصدرية والمفروض أن لا يؤتى بها مثل: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ١٣}⁣[نوح]، {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٢٠}⁣[الانشقاق]، ومن هنا ذكروا عن الأخفش وهو من أئمة اللغة العربية أن «أن» المصدرية في هذا وأمثاله زائدة والجملة حالية. والمعروف أن «ما لك» أو «ما لهم» استفهام استنكاري يأتي بعده الأمر المستنكر نحو: مالك قائماً، فالمستنكَر على المخاطب هو القيام، ونحو: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ١٣} فالأمر المستنكر هو قوله: {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ١٣} وهي في محل نصب على الحالية، أي: مالكم غير راجين لله وقاراً، إلا أن المعربين لم يعجبهم قول الأخفش فأعربوا ذلك على وجهين:

- أن تكون «لا» زائدة للتوكيد، والتقدير: ما منعك يا إبليس من أن تسجد، أي: من السجود.

- أن تكون «لا» غير زائدة، والتقدير: ما الذي دعاك يا إبليس إلى عدم السجود، أو ما الذي عرض لك يا إبليس في عدم السجود. والجار والمجرور في الوجهين متعلق بما تعلق به «لك» في: {يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ}.