سورة النحل
  {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ(١) تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ٣} هو وحده الذي خلق السماوات والأرض، يصرف الله سبحانه وتعالى آياته وينوِّعها، ويكرِّرها للمشركين؛ لأجل أن يتدبروا ويتفكروا فيها، فهو عالم بمداخل قلوبهم، وما هو الذي سينفع في كل واحد منهم، ويذكر لهؤلاء قصة ولآخرين قصة أخرى لكل على حسب مصلحته وحاجته، فأخبرهم هنا أنه خلق السماوات والأرض بالحق لغرض وحكمة، وليس كما يزعم المشركون من أنه لا حياة بعد الموت؛ لأنه لو كان كما يقولون لكان خلقهما عبثاً وباطلاً لا فائدة فيه(٢)، وأخبر أنه قد تعالى عن هذه الآلهة التي يعبدونها من دونه أن تكون مشاركة له في الإلهية.
  {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ٤}(٣) وأخبرنا الله سبحانه
(١) سؤال: ما معنى الباء هنا {بِالْحَقِّ}؟ وكيف يكون المعنى تبعاً لذلك؟
الجواب: معناها الملابسة والمصاحبة، والمعنى: أن الله تعالى خلق السماوات والأرض حال كون السماوات والأرض متلبسة ومصاحبة للحكمة، أو حال كون الخالق متلبساً بالحق أي: محقاً في خلقه لهما، أي: أنه تعالى خلقهما لحكمة، والحكمة هي الابتلاء والتكليف ثم البعث والجزاء في يوم القيامة.
(٢) سؤال: يقال: من أي ناحية يكون خلقهما عبثاً لا فائدة فيه لو صح قولهم؟
الجواب: قال الله تعالى للمشركين المنكرين ليوم الحساب المكذبين به: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ٢٧ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ٢٨}[ص]. هكذا رد الله على المشركين الذين نسوا يوم الحساب أي: كفروا به ولم يؤمنوا ولم يصدقوا، فكان إنكارهم ليوم الحساب اتهاماً لله جل وعلا بأن خلقه للسماوات والأرض وما بينهما عبثاً باطلاً لا لحكمة، واتهاماً له بالتسوية بين المجرمين والمؤمنين، والمفسدين والمصلحين، والظالم والمظلوم، لو لم يكن جزاء وحساب.
(٣) سؤال: فضلاً ما هو إعراب: {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ٤}؟
الجواب: اختلف النحويون في إعراب «إذا» الفجائية وأحسن الأقوال قول الكوفيين إنها حرف، وعلى القول بأنها ظرف مكان أو زمان فتكون متعلقة بالخبر أي بـ «خصيم» أي: إن الإنسان خصيم مبين في زمان تكليفه أو مكانه.