محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة النحل

صفحة 381 - الجزء 2

  وتعالى أنه وحده هو الذي خلق الإنسان من نطفة وليست تلك الأصنام التي يعبدونها من دونه، واستنكر على الإنسان المخلوق من النطفة ثم العلقة ... حتى إذا بلغ مبالغ الرجال واستكمل عقله برز لعداوة خالقه ومخاصمته والكفر به والتكذيب برسله وكتبه وبآياته والكفران لنعمته.

  {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥} ويذكِّرُنا أيضاً بأنه الذي خلق لنا الأنعام نعمة منه علينا، لما جعل لنا فيها من المنافع والمصالح من الأكل والركوب على ظهورها، ولبس جلودها والتدفؤ بها وبشعرها، والحرث عليها، يذكر المشركين بذلك أيضاً لعلهم يرجعون إلى الحق والهدى ويشكرون الله على نعمه.

  {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦} وكذلك يُذَكِّرُ الله سبحانه وتعالى عباده وفي المقدمة المشركين بنعمة الجمال الذي جعله لهم فيها والذي يدركونه ويشاهدونه في مجيئهم بها وذهابهم بها، ولكونهم من أهلها وأصحابها مما يجعلهم يحسون بهذه النعمة ويدركونها، وإن كنا لا ندرك هذه النعمة ولا نحس بها لكوننا لسنا من أهلها.

  {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ٧} وهذه أيضاً من النعم التي أنعم بها على خلقه يذكرنا بها لنرجع إليه وهي أنها تحمل الأمتعة في أسفارنا البعيدة التي لولا هي لأرهقنا حملها إرهاقاً شديداً، ولما استطعنا أن نصل إلا بتعب وجهد شديدين، والمراد بشق الأنفس هو أن التعب يكون قد أخذ بَعْضَ النَّفْسِ وشِقَّها، وهذا من رأفته ورحمته بخلقه أن أعطاهم وامتن عليهم بهذه النعم.

  {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وكذلك خلق الخيل والبغال والحمير وفيها نعمة الركوب على ظهورها، وجعلها زينة يتزينون بها عند ركوبها وتربيتها، والزينة ظاهرة في الخيل والبغال.