سورة النحل
  {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ}(١) وكذلك الشمس والقمر سخرهما لمصالح بني آدم لما لهم فيهما من الدفءِ والنور والضياء ومعالم الأوقات والزراعة، والفائدة لأشجارنا وأنعامنا، وكم وكم من المنافع فيهما التي لو عددناها لاحتجنا إلى الكثير من الكلام الذي لا يسع بسطه هنا.
  وكذلك سخر لنا النجوم لنهتدي بها في أسفارنا، ونحدد به جهات مسيرنا، ونعرف بها ساعات الليل، وغير ذلك كثير من المنافع.
  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٢} يذكِّرُنا الله سبحانه وتعالى بذلك ليبعثنا على التفكر والتدبر في شأنها لنعرف من أوجدها، ومدى قدرته وعظمته وإلهيته، وأن في ما ذكره لأهل العقول آيات واضحاتٍ وحججاً بيناتٍ تدل عليه وعلى تفرده بالألوهية.
(١) سؤال: ما النكتة في عطف الجملة الاسمية: {وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} على الفعلية قبلها؟
الجواب: قرئ بنصب النجوم وبرفعها فالنصب هو بالعطف على مفعول: «سخر لكم»، أما على قراءة الرفع فهو من عطف الجمل. والنكتة في عطف الاسمية على الفعلية –والله أعلم - هي الإشارة إلى الفرق بين التسخيرين فتسخير الليل والنهار والشمس والقمر قد كان لمصالح البشر، والبشر مدركون لذلك بالضرورة تقريباً، والتعبير بالماضي عند تعداد المنعم لمننه على الناسي لها أو الكافر بها هو السبيل المعهود والقرآن مليء بشواهد ذلك. أما تسخير النجوم فلا يدرك المخاطبون حاجتهم إليها لحياتهم على الأرض ولا يفهمون مصالحهم المتعلقة بها اللهم إلا الاهتداء بها في الطرق ولكن ذلك خاص بقلة من الناس، وسائر البشر غير فاهمين لذلك، فمن هنا لم يكن البشر مدركين أن النجوم مسخرة لهم، ولا يرون أن لهم بها مصالح كما هو الحال في الليل والنهار والشمس والقمر، فلم يمتن الله تعالى عليهم بخلق النجوم، فاقتضى الحال العدول إلى الجملة الاسمية لما ذكرنا وللدلالة على أن التسخير ثابت مستمر لها لا يختص بزمان دون زمان.