محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الإسراء

صفحة 447 - الجزء 2

  بلغا في الكبر إلى حد الضعف والعجز وأصبحا في حاجة إلى من يقوم عليهما فيتأكد وجوب الإحسان إليهما والقيام بما يلزم لهما وحياطتهما بالشفقة والرحمة وحسن الرعاية، وقد نهى الله تعالى في هذه الآية أن يظهر الولد التضجر منهما والتأفف والتقذر مما يرى منهما من قذر أو وسخ؛ لأن من طعن في السن واستولى عليه الضعف لا يخلو من ظهور شيء منه من الوسخ والقذر، فلا ينبغي أن تتأفف منهما وتستقذرهما، وليس المراد به كلمة أف على حقيقتها، وإنما هي كناية عن الاستقذار، وقد جعل الله ذلك معصية لما لهما على الولد من النعمة من تربيتك صغيراً والقيام عليك والحرص على نظافتك من دون استقذار؛ لما يكون منك من الأقذار، فينبغي أن ترد لهما ذلك عند حاجتهما إليك، ولا تبدي لهما الاستياء والاستقذار، ولا ينبغي أن يريا منك ما يدل على الاشمئزاز والتضجر.

  {وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ٢٣} ونهاه أيضاً أن يغلظ لهما في القول، أو أن يصيح في وجهيهما، ولو كان حصل منهما خطأ تجاهه، وأمر أن يلين لهما في الكلام، وأن يحرص على أن يطيب نفسيهما.


= الصواب؛ مراعياً في ذلك الأدب والتعظيم واللطف، وتماماً كما فعل إبراهيم # في عرضه النصيحة لأبيه المذكورة في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ٤١ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ...} الآيات، فإن أصر الوالدان أو أحدهما بعد ذلك على رأيهما فإن كان في رأيهما معصية لله أو يؤدي إلى معصية لله فلا يطعهما الولد {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}⁣[لقمان: ١٥]، وإن لم يكن في رأيهما معصية لله ولا يؤدي إلى معصية لله فعلى الولد أن يطيعهما ولا يعصيهما فإن الخير في طاعتهما. ومن الأمثلة التي تحصل كثيراً: أن يرغب الولد في الزواج وعنده زوجة فيعرض الولد رغبته على أبويه فيرفضان ويغضبان ويقومان ويقعدان لرأيه، ففي مثل هذه الحال على الولد أن يوافقهما في رأيهما إلا أن يخشى الوقوع في الفتنة. أو يرغب الولد في الزواج من امرأة وهو غير متزوج ولكن الأبوين يرفضان الزواج من تلك المرأة التي رغب في الزواج منها، وسواء كان رفضهما لسبب واضح أم غير واضح، فعلى الولد أن ينزل عند رأيهما، ولا يتزوج إلا بمن يرضيانها له زوجة، اللهم إلا إذا خشي على نفسه الوقوع في المحظور.