سورة الإسراء
  والمصلحة أن ينزل القرآن ويرسل محمداً ÷ في ذلك الوقت وذلك الزمان؛ لأن الجهل والضلال قد عم الناس جميعاً، والشرك قد أطبق عليهم، وقد أصبحوا في حاجة إلى من يهديهم ومن يرشدهم، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن بالحق مصاحباً له ولآياته جميعاً تشهد بصحتها العقول؛ فلم يأمرهم إلا بما تستحسنه عقولهم، ولم ينههم إلا عن الفواحش التي تستقبحها العقول وتنفر عنها؛ ولم يحل لهم إلا ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم، ولم يحرم عليهم إلا ما فيه مضرة عليهم، ودلهم على عبادة إله واحد فقط؛ لأنه وحده الذي يستحق العبودية كما تشهد به فطر عقولهم، ونهاهم عن عبادة الأصنام التي ليست إلا أحجاراً وتشهد ببطلانها العقول أيضاً، إذاً فآيات القرآن كلها تخاطب العقول، وليس فيه ما ينافي العقل أو فطرته، أو يأمر بما يخالف العقل.
  {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ١٠٥} بعث الله سبحانه وتعالى محمداً ÷ ليبشرهم وينذرهم وليس مكلفاً بإدخالهم في الهدى.
  {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ(١) لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} وفَرَّقنا نزول القرآن عليك يا محمد ليسهل عليك حفظه وتبليغه الناس وليستطيعوا حفظه في صدورهم. ومعنى «على مكث»: على تأنٍّ وتمهل.
  {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ١٠٦} نزله قليلاً قليلاً على فترات متقطعة، ولم ينزله دفعة واحدة؛ لأن صدورهم كانت كتبهم فلا قراءة ولا كتابة، وإنما كانوا يعتمدون على الحفظ والفهم فقط.
(١) سؤال: ما السر في تخفيف الفعل «فرقناه»؟
الجواب: قد قرئ بالتخفيف للراء والتشديد لها في «فرقناه»، فالتشديد يدل على نزوله مفرقاً منجَّماً، وفسروه على التخفيف بوجوه، منها: بمعنى فصلناه، وبمعنى بيناه، وبمعنى إنزاله مفرقاً منجماً، وكلها صحيحة.