سورة مريم
  {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ١٨(١) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ١٩} فلما رأته ورأت عليه هيئة الصالحين وسمة المتقين قالت له: إني أستجير بالرحمن وألوذ به من أذاك إن كنت تتقي الرحمن وتخاف منه، فأجابها بأنه رسول من عند الله أرسله إليها، وأراها ما يدل على صدقه فأيقنت أنه مرسل من عند الله.
  هذا، وقد كان الله سبحانه وتعالى قادراً على أن يحدث الحمل في بطنها من دون واسطة شيء، ولكن حكمته اقتضت أن يُعْلِمَهَا بذلك قبل وقوعه؛ لتستعد لذلك الحمل؛ لأنها لو تفاجأت بذلك وحصل في بطنها عن غير علم منها لَكَبُرَ ذلك عليها ولعظم في نفسها، فأرسل جبريل أولاً إليها ليطمئنها، ويخبرها أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفاها على نساء العالمين، وأنه قد رضي عنها، وأنها ستحمل روح الله الذي سيكون آخر أنبياء بني إسرائيل، وأن الله سبحانه وتعالى قد جعله آية للعالمين(٢).
  {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ(٣) يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ٢٠} تعجبت
(١) سؤال: يقال: ما فائدة مجيئها بالشرط: {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ١٨} في استعاذتها؟
الجواب: جاءها جبريل في صورة رجل تقي عليه سيماء الصالحين ونور المتقين فجاءت بالشرط المذكور لتبعث في نفسه مشاعر التقوى وتبعثه على ما تقضي به التقوى من العفة والابتعاد عن طرق الشيطان ومداخله التي يدخل منها.
(٢) سؤال: لماذا لم تَشْكُ لله هنا همّ الناس الذي لخصته بقولها بعد: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ...}؟
الجواب: لم تشك هنا لأنها قد رضيت بما قضاه الله ووطنت نفسها على تحمله والصبر عليه من أوله إلى آخره، ومن شأن من كان كذلك أن لا يشكو ولا يتوجع مما رضي به ويتحمله، مع أن المقام مقام شكر على ما أولاها الله من الفضل العظيم لا مقام شكوى.
(٣) سؤال: هل الواو في قوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} عاطفة أم حالية؟
الجواب: الواو للحال، والجملة في محل نصب حال.