سورة مريم
  من ذلك كيف يمكن أن يكون في بطنها غلام مع أنه لم يمسسها أي بشر، ومعنى «بغياً»: فاجرة زانية، وهو فعيل بمعنى فاعل، أي: باغية.
  {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ٢١}(١) فأجابها جبريل # بأن الخبر الذي أخبرها به هو ما أراده الله سبحانه وتعالى، وأمره بتبليغها إياه، وأنه أمرٌ هين وبسيطٌ عليه فهو على كل شيء
(١) سؤال: هل في قوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ٢١} دلالة على أن الله أراد خلق عيسى # قبل إيجاده فيكون في ذلك رد على من يقول إن إرادة الله هي مراده؟ فما رأيكم؟
الجواب: في ذلك دليل على ذلك إذا فسرنا: {مَقْضِيًّا} بـ «مراداً» ثم نستدل على أن «قضى» بمعنى أراد، بوقوع أحدهما في مكان الآخر في قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٤٠}[النحل]، وفي قوله تعالى: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٣٥}[مريم]. وأيضاً في تعقيب الخبر بحملها له واستخدام الفاء في ذلك «فحملته» دلالة على أن معنى «مقضياً» مراداً وأن إرادة الله متقدمة على إيجاد عيسى، وكذا في قوله: {رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا}، وقد قدمنا جواباً في ذلك. وبعد، فالخلاف في هذا غير مخل بالإيمان ومعرفة الرحمن، فمن قال: إن إرادة الله هي مراده إنما يقصدون بذلك تنزيه الله تعالى عن الإرادة التي هي عَرَضٌ وصِفَةٌ تحل في الموصوف، والله تعالى منزه عن أن تحله الأعراض؛ إذ لا تحل إلا في الأجسام، والله تعالى ليس بجسم، ثم لما يلزم من تقدم إرادة الله تعالى من خلق جميع المرادات في الأزل.
أما الذين يقولون: إن إرادة الله تعالى متقدمة على خلق المراد فيقولون في تفسير إرادة الله المتقدمة على خلق المراد: إنها علم الله تعالى بما تقضي به الحكمة من خلق عيسى # في زمن معلوم محدود وخلق محمد ÷ في زمن محدد معلوم وبعثه في تاريخ معلوم وقبض روحه في وقت معلوم، وخلق شجرة في وقت معلوم من أوقات التاريخ وفي مكان معلوم، وإنزال المطر في فترة من التاريخ محددة ومكان معلوم بقدر معلوم، وخلق رجل أو امرأة ... إلى آخر ما تقضي بخلقه حكمة العليم الحكيم في كل زمان ومكان، فلا يلزم على هذا إطلاقاً خلق جميع المرادات في الأزل.